علي بن سالم الرواحي*:
الإفراد من صفات الأفراد، ومفرد الأفراد فرد، وهو ما ليس له مثيل، وهكذا المفرد، ولا نستطيع إطلاق الفرد على الحقيقة على شيء إلا الله، لأن كل مفرد غير الله له مثيل، فالمخلوقات تشترك فيما بينها في الخلق، وفي حاجتها إلى خالق، وحاجتها إلى الزمان والمكان، أما الفرد الحقيقي فهو الله، فهو الخالق وحده، وذاته لا تشابه سائر الذوات، ولا تتبعض ولا تتعدد، والله هو العليم العظيم الحكيم بشكل كمالي منفرد لا تستطيع كل المخلوقات أن تكون مثله، فمهما اتفقت الأسماء بين الخالق والمخلوق، فالفرق بين مسمياتهما تام وكامل، ولا يمكن الجمع بينها.

ويُعرَف الحديث الفرد بعد تتبع جميع روايات الحديث للبحث عن إفرادها أو تعددها، وإن كان للحديث المعني معتبرًا أو له شاهد أو له تابع كان غير فرد، والحديث الفرد إما أن يكون مطلقًا أو يكون نسبيًا، كما يلي:

أولاً ـ الحديث الفرد المطلق:

والحديث المفرد المطلق ما يرويه أحد دون غيره, أما الحديث المفرد النسبي فهو مقيد انفراده بجهة ما، وللمفرد هيئتان اثنتان، هما: (1) الحديث الفرد المطلق على مستوى الأشخاص، حيث ينفرد به شخص دون سائر الأشخاص، ويكون المنفرد به، إما (ثقة)، حيث إن الرواة الآخرين من طرق أخرى ليسوا ثقات، ومثاله: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا حَمْزَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أُرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ:(تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً. فَبَيْنَا هُمْ قُعُودٌ، إِذْ رَنَّتِ الْأَرْضُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ تَصَدَّعَتْ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: تَخْرُجُ حِينَ يَسْرِي الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ سَابِقُ الْحَاجِّ لِيُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَخْرُجْ)، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا سُفْيَانُ، تَفَرَّدَ بِهِ: حَمْزَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وقد انفرد به حمزة بن سعيد دون غيره من الرواة، وهو ثقة، وهذا القيد أخرجت الأحاديث المناظرة له التي رواها غير الثقات، وعليه صار حديث حمزة فردًا، فيصدق على الحديث أنه لم يروه ثقة إلا حمزة، والبعض يدرج هذا الصنف من الحديث ضمن الحديث النسبي، لتقييده بالثقة، أو (غير ثقة) ومثاله: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَاصَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا، فَقَالَ:(إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ، قَالَ: فَاغْدُوا عَلَى القِتَالِ، فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ، قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وقد انفرد كل راوٍ بالحديث عن الراوي الذي فوقه، إلى أن تم رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) والراوي سفيان بن عيينة قد اختلط آخر عمره، وصار لا يضبط الأحاديث, فلا يوثق به، لأن رواية غير الثقة غير صحيحة، وعلى العموم حكم الحديث الفرد المطلق كحكم الحديث الشاذ, وليس كل حديث فرد غير مقبول لانفراده، لذلك قعّدوا أن الإفراد لا يقتضي الضعف.

1ـ الحديث الفرد المطلق على مستوى البلدان بحيث ينفرد به بلادٍ ما دون غيرها، ومثاله:(أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ الْمَخْرَمِيُّ، نا صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، نا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صُلِّيَ عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ)، قال الحاكم:(تفرد أهل المدينة بهذه السنة أي: انفرد به المدنيون بروايته دون غيرهم، وقد ينفرد بحديث المكيون أو الكوفيون أو البصريون أو الشاميون أو المصريون).

* كاتب عماني