[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
تواصلًا مع مقالتي بنفس العنوان أعلاه (18 نوفمبر)، أود أن أبين بأن الاعتزاز بالقومية في العالم الغربي يعد من المثالب. وليست هذه الظاهرة الثقافية والسياسية بأمر غريب هناك، نظرًا لأن أوروبا شهدت إزهاق ملايين الأرواح وسفك دماء أجيال عديدة بسبب المشاعر القومية الجرمانية التي زادت شيئًا فشيئًا حتى لامست حدود "التعصب". ولم يكتفِ اعتزاز الأقوام الجرمانية بقوميتها في القرنين الماضيين بالتعصب بل زاد حتى تحول من التعصب إلى "الشوفينية"، ثم من الشوفينية إلى "النازية" و"الفاشستية".
للمرء أن يلاحظ هذا دون أن يندم على سنين اعتزازه بقوميته ودينه وتفاخره بهما؛ ولكن عليه كذلك أن ينحي بلائمة النقد الأجنبي ضدنا إلى اختلالاتنا وميلنا، الكاسح أحيانًا، إلى مصادرة منجزات الحضارة البشرية على سبيل إحالتها للعرب، بوصفهم أسمى وأذكى نوعًا. ليس هذا بشيء عادل، بطبيعة الحال.
إلا أن للمرء أن يمسح المشهد حواليه بنظرة شاملة ليجد ما الذي بقي لدينا مما ابتكرناه وقدمناه للعالم فيما مضى: لن تخفق أية نظرة مسح شمولية في إماطة اللثام عن أننا لا نزيد عن أرقام استيرادية في العالم الصناعي لأن دول هذا العالم تقيس العرب اليوم بحجم ما يستوردونه من سيارات، وتقيمهم بكمية ما يبتاعونه من سلاح.
إن الميل المتعصب لإحالة حضارة العالم وإنجازاته العلمية والثقافية للذات قادنا إلى خلق مجموعة أساطير، وأقصد بهذه الأساطير، على سبيل المثال، الكلام المبالغ به عن المسرح العربي والموسيقى العربية والسينما العربية، من بين سواها من الأساطير وأشكال الإطناب التي لم تعد مقبولة في دوائر المسرح والموسيقى والسينما العالمية لأنها لا تزيد عن "جعجعة بلا طحين"، كما قالت العرب!
صادف أني رحت أتابع قناة للموسيقى التركية TRT Musik بسبب اشتياقي للموسيقى الشرقية، إلا أن الغريب هو أني لاحظت بأن العديد من الألحان العربية الشائعة لا تزيد عن "استعارات"، إن لم نقل "سرقات"، من إخواننا في الدين من الأتراك! وبأن عددًا من هذه "الاستعارات" كانت من فعل ملحنين عرب بارزين (دون ذكر أسماء)، نفتخر بهم اليوم بوصفهم "فلتات" الزمن: وإذا بنا نكتشف بأن ألحانهم وأشهر أغانيهم إنما هي مديونية للألحان والأغاني التركية وربما الإيرانية والهندية كذلك!
أما الأكثر مدعاة للتندر فهو ظاهرة السينما والمهرجانات الفيلمية في عالمنا العربي، خاصة مع التردي والتراجع الواضحين اللذين تشهدهما السينما المصرية، الأمر الذي قد يضعها درجة عاشرة بعد سينما هوليوود وبوليوود، للأسف.
صحيح أن للمسرح أصولًا في الثقافات البابلية والسومرية، الكلدانية والآشورية، العربية والإسلامية، إلا أننا لا نشاهد من هذا المجد التليد شيئًا: لا نشاهد سوى المسرحيات المبتذلة التي تستدر الضحك بالبذاءة وبهز البطون. علينا أن نتخلص من براثن الشوفينية العمياء وأن نرمي الأساطير الثقافية أعلاه، إلى سلة المهملات، إذا شئنا مواكبة العصر للحاق بركبه الذي لم يعد منظورًا بالعين المجردة بالنسبة لنا.