منذ تفجر قنبلة "الحريق العربي" في المنطقة في العام 2011 لا يزال الاعتقاد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة انتشاء ورضا غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث أعطته نتائج هذا "الحريق العربي" قوة دفع كبرى نحو المضي في تحقيق أحلامه التلمودية، فعلى غير المعتاد عليه في السابق باتت العنصرية المستشرية ضاربة أطنابها في كامل ربوع أرض فلسطين التاريخية، تطول البشر والشجر والحجر، وأصبحت القوانين العنصرية تترى، وغدت آلة الاستيطان تأتي على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بأقصى سرعتها، والممارسات والانتهاكات ضد الإنسانية وجرائم الحرب تقتلع كل شيء أتت عليه، وهي جرائم في مجملها تهدف إلى اغتصاب فلسطين كلها وتشريد شعبها بالكامل وتصفية القضية الفلسطينية. فبالأمس طرح الصهاينة العنصريون قانونهم العنصري المسمى "يهودية الدولة"، واليوم يتحدثون عن عزمهم بتشريد ثلاثمئة ألف عربي فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية من أراضي المثلث ووادي عارة داخل أراضي عام 1948.
وفي ظل هذا الانتشاء الإسرائيلي غير المسبوق يمر شريط أحداث اغتصاب أرض فلسطين والتنكيل بشعبها وتشريده بذكرياته المؤلمة وسط عجز فلسطيني عن إتمام ما اجترحه من محاولات للصمود، ووسط شلل عربي تام أصبحت بعض مفاصله تشكل رافعة للكيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الاستراتيجيين نحو إنجاز مشروع تفتيت المنطقة وتدميرها وإعادة رسم جغرافيتها وفق ما يستوجبه البقاء الطويل للاحتلال الإسرائيلي ليجثم مزيدًا من العقود على صدر المنطقة، وترزح تحت إساره شعوبها.
فاليوم التاسع والعشرون من نوفمبر يحيي أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف انتماءاتهم وأماكن تواجدهم "يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني"، لما لهذا اليوم من أهمية خصوصًا في هذا العام وهذه الأيام التي يراوح فيها الموقف الفلسطيني مكانه عن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية مكانه، ويحكم التردد قبضته عن التوجه إلى مجلس الأمن لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال وفق حدود عام 1967، ووسط تحديات كبرى تهدد اتفاق المصالحة الفلسطينية بالعودة إلى المربع الأول جراء تبادل الاتهامات بين حركتي فتح وحماس، في الوقت الذي يضغط فيه الشعب الفلسطيني لإحقاق حقوقه عبر المنظمات والمؤسسات الدولية وعبر الأمم المتحدة التي دعت جمعيتها العامة في عام 1977 للاحتفال في التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم (181) وإنهاء الانتداب البريطاني عن فلسطين.
وما يندى له الجبين أنه على الرغم مما أصاب الشعب الفلسطيني نتيجة هذا القرار الظالم الذي يعد أول دليل على انحراف العدالة الدولية وغياب الموازين الدولية، وتخلي الأمم المتحدة عن نصرة القضايا العادلة للشعوب، فإن المنظمة الدولية ماضية في ذلك، بدليل أنها لا تتذكر فواجع الشعب الفلسطيني ومواجعه نتيجة قراراتها التي تبنتها ضده إلا حين تحين ذكراها فقط.
ولكن إذا كانت المنظمة الدولية قد طلبت الاحتفال سنويًّا بيوم تقسيم أرض وتشريد شعب كامل، فإن قوى الحرية والسلام في العالم تحوله في الوقت الحاضر إلى يوم فضح اعتداءات القوى العالمية على الشعوب، وتعزيز التضامن مع هذه الشعوب، وتوحيد الجهود في جبهات واسعة مناهضة للاستعمار القديم والحديث، من أجل إحقاق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ولهذا يجب على الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وفصائله ومكوناته السياسية والمقاومة أن لا تجعل من هذا اليوم مجرد ذكرى تتطاير فيها الأحلام والخطب والشعارات مع تطاير ساعاته ودقائقه وثوانيه.