[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لا يزال البيان حول مشروع الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2015 والذي ألقاه معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية أمام مجلس الشورى الأسبوع الماضي حديث الساعة، ويأخذ مفاعيله على المستوى الشعبي بين شد وجذب وبين أخذ لبعض أرقامه واستناداتها، ورد لبعضها الآخر، ذلك أنه فتح جراحات ومسارات كان مسكوتًا عنها أو يجري الحديث عنها همسًا، وخاصة حين خرجت إلى العلن المداخلات لبعض أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى كسعادة توفيق اللواتي الذي عبرت مداخلته عن اطلاع واضح على مفاصل في تركيبة الاقتصاد الوطني، ونقلت بالتالي المواطن المتابع والمهتم إلى جذر الفهم ـ ولو قليلًا ـ حول مكونات الاقتصاد الوطني ومقوماته الذي دخلت في تركيبته الخصخصة التي تعد إحدى ركائز الرأسمالية المتوحشة، وما آلت إليه من تراكمات ونتائج على عكس ما كان متوقعًا إثر الدعم الحكومي الكبير والمتواصل لقطاع الخصخصة الذي تحول إلى شركات ومؤسسات أهلية أو بالأحرى ملكية خاصة أخذت تجني من ورائها أسر بعينها أموالًا طائلة من الدخل الكبير الذي تدره والدعم الحكومي السخي المستمر في مقابل خدمات متواضعة ـ إن لم تكن رديئة أو منعدمة ـ في كثير من محافظات السلطنة.
إن الهبوط اللافت لأسعار النفط لم يفتح صنبور الهواجس والمخاوف فحسب، وإنما فتح صنابير من علامات الاستفهام حول ما هو معلن من توجه حكومي نحو تنويع مصادر الدخل، وإيصال الاعتماد على النفط مصدرًا للدخل إلى أدنى الحدود إلى ستين أو خمسين في المئة، مع العلم أن هذا التوجه كان منذ بداية الثمانينيات تقريبًا، وذلك استشعارًا لما يحيط بالذهب الأسود من تقلبات في الأسعار تبعًا للمتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم. الكل بات مقتنعًا بأن السبب الأكبر في هبوط أسعار النفط هو سياسات دول لها باع طويل من التآمر ضد شعوب العالم وشعوب المنطقة خاصة، تحاول تركيعها واستعبادها لإشباع نزواتها ومراهقتها السياسية التي لن تنتهي، وإشباع حالتها السادية وأوهام السيادة والقيادة. إلا أن هذا يعني أن خطط التنويع التي وضعتها الحكومة متواضعة جدًّا رغم الأموال الكبيرة التي أنفقت وتنفق في سبيل ذلك.
وحين نقول مثل هذا الكلام، لا نريد تحميل الحكومة ما لا تحتمل وجلدها، وإنما نريد بذلك أن نعين صانع القرار على اتخاذ القرار وتبصيره بما يدور حوله، فالأمور حين تصل إلى الاستنتاج والتفسير تصاب بداء الخلط، خصوصًا وسط هذه المناخات الحبلى بمشاعر التبرم والتشاؤم حينًا والغضب أحيانًا أخرى بعد أن وصل الأمر إلى المساس بما يراه المواطن خطًّا أحمر ممنوعًا الاقتراب منه وهو مصدر دخله ولقمة عيشه، وهو سقف كان محط تحول كبير في العام 2011، فاليوم غير أمس، والعام 2014 غير العام 1998 حين وصل سعر برميل النفط إلى تسعة وثمانية دولارات، وما مكَّن الحكومة من استيعاب ذلك الوضع هو أن عدد الموظفين والباحثين ليس بالقدر والكم اليوم، فضلًا عن أن دور مجلس الشورى ليس كما هو اليوم، كما أن وسائل الاتصال الحديثة مع مستوى الإدراك والوعي لدى الناس اليوم ليس كما كان في العام 1998 وغيرها من العوامل. ولذلك مجرد التفكير في الاقتراب من لقمة العيش بإيقاف الترقيات المستحقة ـ حتى ولو كانت غير ملزمة بذلك كما يتداول ـ وعمليات استيعاب الباحثين عن عمل ستتوالد انفعالاته وتفاعلاته بما لا يخدم الهدوء المطلوب للبحث عن مصادر دخل أخرى، كما أنه يعد قفزًا من الأهم إلى المهم، وإدخال البلاد في رعب بمجرد هبوط سعر النفط إلى ثمانين دولارًا، ما يطرح سؤالًا مهمًّا وهو: إذا كانت الدول المنتجة للنفط استطاعت توفير احتياطيات ضخمة من النقد والذهب، ألم تتمكن حكومتنا أيضًا من ذلك، علمًا أن الميزانية العامة للعام المالي 2014 وكذلك ميزانية العام 2013 بنيت على سعر خمسة وثمانين دولارًا، في حين كان السعر يتراوح بين مئة وعشرة إلى مئة وخمسة عشر دولارًا؟
في تقديري، يمكن للحكومة إذا كانت جادة في إدراك الهبوط الكبير لسعر النفط وتأمين الاحتياجات المالية للموظفين والباحثين عن عمل وبعض المشاريع، بترشيد الإنفاق وخفض العجوزات أن تبدأ بـ:
أولًا: التخلص بشكل عاجل وبصورة نهائية من استئجار المباني الخاصة للمؤسسات الحكومية، إذ لا يعقل أن يقام مبنى لوزارة معينة بهدف استيعاب جميع مديرياتها، ونتفاجأ أن لها مديريات في مبانٍ مستأجرة، منها ما يصل إيجاره الشهري إلى ثلاثين ألف ريال عماني، ومنها ما يصل إلى مئة ألف ريال عماني شهريًّا، فلو ضربنا هذه الأرقام في عام واحد، ثم في أكثر من عام، فكم سيكون الناتج؟ أليس من الأجدى أن تقام مبانٍ مملوكة للدولة لها اعتماداتها المالية ولمرة واحدة فقط؟ فسياسة المصالح والنفعية على طريقة "اخدمني أخدمك، ونفعني أنفعك" التي يتبعها رؤساء الوحدات الحكومية لقرابة أو صداقة أو مصلحة تربطهم يجب أن تنتهي وتختفي تمامًا لوقف الهدر في المال العام.
ثانيًا: وقف المشاريع المتعثرة والفاشلة، وإسنادها لمستثمرين في القطاع الخاص أو من خارج السلطنة، فهناك مشاريع بالمقارنة مع عائدها الاقتصادي أو دورها في رفد الاقتصاد الوطني تعد غير مجدية، وما أنفق عليها لا يمكن وصفه إلا بأنه هدر للمال العام.
ثالثًا: إعادة النظر في القطاعات الخدمية التي تم خصخصتها كقطاع الكهرباء والمياه وقطاع الاتصالات، وإعادتها إلى حضن الدولة، لما ستدره من دخل كبير لخزينة الدولة، وما يُمكِّنها أيضًا من تقديم خدمات جيدة للمواطنين. كما يجب إعادة النظر في الدعوم السخية والكبيرة لشركات ومؤسسات لديها الإمكانات الهائلة لكسب دخول هائلة، وبالتالي هي ليست في حاجة إلى دعم حكومي.
رابعًا: وقف المكافآت نصف السنوية والسنوية لمكاتب الوزراء والوكلاء، وبعض المديريات والمكاتب التابعة للوزارات، نظرًا لغياب مبدأ العدالة والمساواة أولًا، ولكونه مدعاة للتمييز والتبرم وخلق بيئة عمل غير منتجة ثانيًا. كما يجب وقف صرف المكافآت لاجتماعات الوزراء أو الوكلاء الخاصة بوزاراتهم، لأن هذه الاجتماعات تعد من صميم عملهم وواجب عليهم تنظيمها وعقدها تلبية لمتطلبات العمل وتطويره وتجويده.
خامسًا: إعادة النظر في الأثاث بالمؤسسات الحكومية التي يتم تغييرها بين فترة وأخرى مع أن حالتها سليمة وليست بذلك السوء حتى يتم استبدالها، فمخازن الوزارات والهيئات تعاني من تكدس الأثاث الذي يكون عرضة للهلاك نتيجة الشمس والأمطار.
سادسًا: الانتقال من الشعارات إلى الأفعال بشأن تنويع مصادر الدخل، فثمانون دولارًا كانت كفيلة بتعرية هذه الشعارات، فكيف الحال إذا وصل سعر النفط إلى تسعة أو ثمانية دولارات ـ لا سمح الله؟
ولذلك نقول لمعالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية إن الميزانية هي عنوان للاقتصاد القوي والنامي، والتقليل منها أو مجرد إثارة الهواجس والرعب بشأنها، يعطي إشارات سلبية حول الاقتصاد.