دمشق ـ "الوطن":
أحبت الموسيقى منذ صغرها، وكانت الابنة الوحيدة التي تجاوبت مع والدها الموسيقي الهاوي حينما قرر تعليم بناته العزف، وتبيّن الباحثة والملحنة إلهام أبو السعود في حوارنا معها أن والدها بدأ بتعليمها وهي ذات سبع سنوات التدوين الموسيقيّ والعزف على آلة العود، فأثارت إعجاب كل من استمع إلى عزفها للّونجا وهي نوع من أنواع التأليف الموسيقيّ الصعب الذي يعتمد على تكنيك عالي المستوى. وفي سن العاشرة أُعجِبت بموهبتها أستاذة البيانو في مدرستها "دوحة الأدب" فصارت تغذّي هذه الموهبة لديها بالتمرين المستمر، وعندما كبرت بدأت بتدرِّيس مادة الرياضة في بعض المدارس وإرضاء لميولها كانت تنتهز فصل الشتاء لتحويل درس الرياضة إلى درس للموسيقى، وقبل حصولها على الشهادة الثانوية تزوجت لتتوقف فترة من الزمن عن متابعة ذلك إلى أن شجعها زوجها على العودة ثانية إلى التدريس والدراسة والحصول على الشهادة الثانوية، ومن ثم العمل كمدرِّسة مساعدة في دار المعلمات، ولأن هاجس دراسة الموسيقى لم يخبُ لديها أبداً تشير أبو السعود إلى أنها تقدمت للمشاركة في المسابقة التي أعلنت عنها وزارة التربية وهي عبارة عن بعثة إلى لندن لدراسة الموسيقى لتكون الناجحة الوحيدة من بين 13 متقدماً، فاتجهت إلى مصر للدراسة بعد أن تغيرت وجهة البعثة بعد ذلك فدرست 5 سنوات في كلية التربية الموسيقية في جامعة حلوان لتتخرج بعد ذلك عام 1961 بتفوّق" ولتكن أول فتاة سورية تنال شهادة عليا في مجال الموسيقى" وقد تميزت بعزفها على العود الذي استمع إليه هناك وأُعجِب به الموسيقار محمد عبد الوهاب.
أول ملحنة
ما أن عادت أبو السعود إلى سوريا حتى دخلت عالم التلحين الذي كان مقتصراً على عالم الرجال، فلحنت مجموعة من الأغاني الموجهة للأطفال في سن الحضانة، بالإضافة إلى عدد كبير من الأغاني للإذاعة وبعض الجهات كالاتحاد النسائي، إلى أن دخلت عالم التلفزيون في العام 1964 من خلال برامج الأطفال والمرأة، وفيه تعرفت على أسماء كثيرة قدمت لها نصوصاً غنائية أمثال محمد الحريري ونجاة قصاب حسن، وتوضح أبو السعود أنها وبعد التخرج مباشرة عيّنت في وزارة التربية بالإضافة إلى عملها في التليفزيون وبعض البرامج الأخرى التي تعنى بالموسيقى مثل "أنت والموسيقى" وذلك في فترة السبعينيات.
وتدرجت أبو السعود في مسؤولياتها الوظيفية في وزارة التربية إلى أن أصبحت الموجهة الاختصاصية الأولى في سوريا لمادة التربية الموسيقية بفضل نشاطها وحماسها واهتمامها الكبير، وفي الوقت ذاته كانت من المشاركين الدائمين في مؤتمر الموسيقى العربية الذي كان يقام سنوياً من خلال ترؤسها للجلسات وإلقاء المحاضرات.
ولا تنكر أبو السعود أنها حاولت التوجه للكبار في ألحانها وكانت تجربتها الأولى والأخيرة في هذا المجال أغنية للفنانة الراحلة إنعام صالح بعنوان "حياتي" التي سُجِّلت للإذاعة، وتعترف أنها لم تستسغ ذلك لحبها الكبير لعالم الأطفال الذي قررت أن تبقى في محيطه مؤكدة أنها عندما أصبحت الموجه الأول لمادة التربية الموسيقية في دمشق. شجعت المدرسين على تدريس أغاني الأطفال وعقدت الندوات وأقامت حلقات عمل للمدرسات ودورات موسيقية في كل المحافظات، وأثناء ذلك توجهت إلى ألمانيا أكثر من مرة للمشاركة في بعض الدورات الموسيقية بهدف تطوير ثقافتها والاطلاع على كل ما هو جديد في مجال تدريس مادة التربية الموسيقية، وفي مرحلة لاحقة بدأت أبو السعود تدريس الموسيقى في المعهد العربي للموسيقى وكانت إلى جانب صلحي الوادي وخضر جنيد كأحد المؤسسين لهذا المعهد الذي سمي بمعهد صلحي الوادي بعد ذلك.
وتبيّن أبو السعود وهي التي استطاعت أن تطلع على أحدث الطرق التربوية لتدريس التربية الموسيقية من خلال الدورات التي كانت تشارك فيها في الخارج (ألمانيا، النمسا، هنغاريا.. إلخ) أن الاهتمام بمادة التربية الموسيقية كان قليلاً آنذاك، وهذا ما جعلها تحرص على تفادي ذلك عندما أصبحت موجهة اختصاصية من خلال توجيهها لعدم استبدال حصة الموسيقى في المدارس بأية حصة أخرى كما كان معتاداً أن يحدث نظراً لأهمية الموسيقى في حياة طفلنا وانعكاس تأثيرها الإيجابي على سلوكه وتفكيره وقدرتها الكبيرة على تحفيزه على تعلّم كل المواد الدراسية الأخرى، بالإضافة إلى أهمية ممارسة التعليم غير المباشر عبرها وعبر الأغاني وهي الطريقة الأكثر إغراءً للطفل، إضافة إلى قناعة أبو السعود بأن الطفل عبر الأغاني يمكنه إتقان اللغة العربية بشكل جيد، مؤكدة أن الوضع اليوم قد تغير قليلاً على صعيد الاهتمام بالموسيقى في المدارس وإن كانت غير راضية تماماً عن هذا الوضع، مبينة أن عوامل كثيرة قد تؤثر على سير نجاح التربية الموسيقية، خاصة فيما يتعلق بكفاءة وإمكانيات المدرسين والمدرسات ومدى جدية واهتمام الإدارة بهذه المادة، وهذا ما يفسر أن منهاج مادة التربية الموسيقية غير موجود في بعض المدارس، في حين أن منهاج بقية المواد موجود انطلاقاً من عدم اهتمام إدارة من الإدارات بهذه المادة، في حين ترى أبو السعود أن أية إدارة يجب ألا تنحاز للمواد العلمية وتهمل المواد الفنية التي هي بالأساس مواد هامة جداً، ومن هنا تبيّن أن وجود المعاهد الموسيقية الخاصة والعامة مهم للغاية وهي تعزز موضوع الاهتمام بالموسيقى في حياة أطفالنا وتنمي موهبة الموسيقى إن وجِدت عند أحدهم، وإن كان يؤسفها أن معظم هذه المعاهد ليس لديها منهاج متتالٍ ومتصل.
أغنية بالفصحى
وتعتبر إلهام أبو السعود وهي التي تملك في رصيدها نحو 250 أغنية موجهة للطفل بالعربية الفصحى أن الأغنية الموجهة للطفل يجب أن تكون باللغة العربية الفصحى لا باللهجة العامية لأن الطفل برأيها يجب أن يتعود على هذه اللغة من خلال الأغاني، مع الأخذ بعين الاعتبار عند تقديم الأغنية كل المستويات في مرحلة الطفولة (الحضانة ورياض الأطفال) حيث يجب مراعاة كل مرحلة من هذه المراحل لتقديم الأغنية المناسبة للطفل في كل مرحلة من مراحل نموّه، مع تأكيدها على أن الأغنية الناجحة للطفل يجب أن يكون لها هدف تربوي وتعليمي بالدرجة الأولى، وتأسف أبو السعود لأن الكثير من المحطات التلفزيونية التي تتوجه للطفل لا تقدم هذا النوع من الأغاني وهي محطات مليئة بالأغاني الهابطة، إضافة إلى اعتماد اللهجات المحلية عند تقديمها.
وتوضح أبو السعود أن قوام الأغنية الناجحة هو نص جيد وملحن متمكن ومؤدٍ قادر على توصيل ذلك بشكل جيد ومحبب للطفل، مشيرة إلى أن الذين يهتمون بأغنية الطفل مازالوا قلائل لأن الدخول إلى عالمه ليس أمراً سهلاً، إضافة إلى النظرة الدونية لهذا العالم في عالمنا العربيّ حيث الغالبية تعتبره درجة ثانية، في حين أن هذا الكلام خاطئ برأيها لأن عالم الطفل هو الأساس وإذا رُبّي تربية موسيقية صحيحة ستكون لديه قدرة دائمة على التمييز بين ما هو جيد وما هو غير جيد ليس في مجال الموسيقى فقط وإنما في كل مجالات حياته. من هنا يقع على عاتق المدارس والمعاهد الموسيقية تغذية الطفل موسيقياً لتشكيل وعيه الموسيقيّ ليصبح لدينا عندما يكبر إنسان مثقف متذوق للموسيقى وعارف فيها، منوهة إلى أن الساحة الثقافية شبه خالية من كتب تعليم الموسيقى بشكل صحيح، وإن قدمت وزارة التربية كتاب "دليل المعلم" في الموسيقى ليكون عوناً للمدرسين في حصص التربية الموسيقية، تبقى الكتب الموسيقية في المكتبة العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص شبه نادرة.