[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
محمد عبد الصادق* [email protected] كاتب صحفي مصري
”.. ظاهرة "الهيبيز" ظهرت في أميركا عقب حرب فيتنام ورفض كثير من الشباب الانضمام للجيش الأميركي اعتراضاً على إرسالهم للقتال في مناطق الصراع بالهند الصينية ـ ومن أميركا انتقلت إلى أوروبا، وتحولت "الهيبيز" لحركة شبابية يسارية متمردة على السلطة الأبوية وقيادة الكبار، وعلى الأفكار الرأسمالية والمظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك،”
ـــــــــــــــــــــــــ
في ستينيات القرن الماضي ظهرت تقليعة (الهيبيز) بين الشباب في الغرب وانتقلت بشكل مخيف إلى عالمنا العربي في أوائل السبعينيات، وما زلت أتذكر وأنا طفل صغير منظر نجوم السينما، ولاعبي الكرة وشباب الجامعات وهم يطلقون شعورهم ويطيلون السوالف، ويرتدون القمصان الضيقة، والسراويل ذات الألوان الزاعقة الملتصقة بالجسد من عند "الوسط"، الواسعة من أسفل التي كان يطلق عليها (الشارلستون)، والحقيقة كانت تقليعة بائسة لأن "شعور" معظم المصريين والعرب خشنة، وأجسامهم لم تنسجم مع هذه الملابس المستفزة، والحمد لله أن التقليد اقتصر على المظهر الخارجي فقط ولم يمتد للممارسات والمعتقدات.
وظاهرة "الهيبيز" ظهرت في أميركا عقب حرب فيتنام ورفض كثير من الشباب الانضمام للجيش الأميركي اعتراضاً على إرسالهم للقتال في مناطق الصراع بالهند الصينية ـ ومن أميركا انتقلت إلى أوروبا، وتحولت "الهيبيز" لحركة شبابية يسارية متمردة على السلطة الأبوية وقيادة الكبار، وعلى الأفكار الرأسمالية والمظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك، وخرج شباب الهيبيز على المألوف من القيم الاجتماعية وانسلخوا عن مؤسسة الأسرة وهجروا الحياة المدنية، فارتدوا الملابس "المهلهلة"، وهاموا على وجوههم في الطبيعة يتنقلون بين الغابات والحدائق العامة والأماكن المهجورة، يحملون الجيتار وأكياس النوم، يجربون كل شيء بحرية في حالة من البوهيمية والانفلات الأخلاقي، ونجحت هذه الحركة في استقطاب ملايين الشباب في الغرب، ولكن هذه الظاهرة المنفلتة سرعان ما تلاشت؛ حيث هجرها كثير من الشباب، إما بسبب تقدمهم في السن أو نجاح المجتمع الأميركي والأوروبي في استيعابهم بعد تضييق الخناق المجتمعي حولهم، ونبذهم من الجميع، حتى إن المحلات والمقاهي في أميركا والغرب كانت تضع لافتة مكتوباً عليها "ممنوع دخول الهيبيز" بسبب حماقة تصرفاتهم، وقذارة منظرهم (فهم كانوا نادراً ما يستحمون ويهملون نظافتهم الشخصية)، وتدريجيًّا اختفى "الهيبيز"؛ حيث انضم بعضهم إلى حركات سياسية أكثر تنظيماً تناهض التسلح النووي، وتناصر البيئة، وآخرون انضموا لجماعات مناهضة للعولمة، وأخرى تناصر دول العالم الثالث، وتدعو للسلام ونبذ العنف والحروب، وما لبثت أن اختفت هذه الجماعات تماماً في مطلع الثمانينات.
لا أدري سبب تداعي مشاهد "الهيبيز" إلى ذاكرتي كلما شاهدت أفراد تنظيم داعش بشعورهم الطويلة، ولحاهم الطليقة، وأزيائهم السوداء، فهم أيضاً تمردوا على سلطة الأسرة وقانون الأوطان، واختاروا الهمجية أسلوباً لحياتهم، وراحوا يغترفون من الشهوات عن طريق السلب والنهب والسبي والاغتصاب، ووجدوا إقبالاً من الفتيات المراهقات من الشرق والغرب على الالتحاق بهم، بعد أن نجح أعضاء التنظيم في إغوائهن عن طريق التواصل بهن عبر "الفيس بوك"، فيتركن أسرهن وأوطانهن والدنيا وما عليها ويذهبن إلى مناطق القتال غير مبالين بالمخاطر والأهوال للعيش بجوار حبيب القلب (البطل الداعشي المغوار).
ولعل أوضح مثال على تشابه تنظيم داعش مع جماعات الهيبيز، هو ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية مؤخراً عن قصة الأم الهولندية التي استعادت ابنتها المراهقة (19) سنة من أحضان حبيبها الداعشي الهولندي الجنسية، التركي الأصل، الذي تعرفت عليه من خلال شبكة الإنترنت، ثم وقعت في غرامه عندما شاهدته خلال مقابلة أجراها معه مراسل التليفزيون الهولندي في مدينة الرقة السورية، فبدا الشاب في نظر الفتاة الهولندية كأنه (روبن هود) هذا الزمان، وعندما شعرت الأم بتغير ابنتها عقب تعرفها على هذا الداعشي، وامتناعها عن الخروج من المنزل وتركت العزف على البيانو، وهجرت الاستماع للموسيقى، ثم اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى عائشة، واقتنت الكتب التي تحوي الأفكار المتطرفة ـ قامت الأم بالاتصال بالشرطة الهولندية، التي قامت بسحب جواز سفر الفتاة، خشية السفر والالتحاق بالتنظيم المتطرف، ورغم ذلك نجحت الفتاة في الهرب ووصلت إلى تركيا عن طريق القطار، وواصلت رحلتها إلى سوريا وتزوجت فارس أحلامها الداعشي، وأقامت معه في مدينة الرقة، وانقطعت أخبارها عن أسرتها؛ اللهم من رسالة قصيرة على (الوات ساب) تعرب فيها عن سعادتها وتؤكد فيها أن ما قامت به كان صحيحاً، ولكن سرعان ما تبخرت أيام السعادة مع العريس الداعشي، الذي زهد فيها وراح يبحث عن فريسة جديدة يتزوجها، أرسلت الفتاة رسالة لأمها تستنجد بها لإنقاذها من الجحيم الذي تعيش فيه والفخ الذي نصبه لها روبين هود الداعشي، وفي تصريحات نقلتها عنه صحيفة "صنداي تايمز" نفى الداعشي اتهامات الفتاة التي ادعت أنه كان يعاملها كالعبدة، وأكد حسن معاملتها حين كانت على ذمته، وأنه طلقها بناء على طلبها.
وهبت الأم الهولندية لنجدة ابنتها بعدما عاشت شهوراً طويلة من الحزن والقلق، حيث انطلقت إلى تركيا، ومنها لمدينة الرقة، حيث نجحت عن طريق المال، ومساعدة أجهزة المخابرات المتغلغلة في صفوف هذه التنظيمات على الأراضي السورية في الوصول لابنتها والعودة بها إلى هولندا.
"عائشة" وجدت نفسها عقب عودتها لهولندا متهمة بالانضمام لجماعة إرهابية، وهي جريمة ربما تصل عقوبتها للسجن مدة لا تقل عن 30 سنة.
هذه الفتاة الهولندية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تنجذب للهوس وحالة الانبهار الغريبة التي نجح أفراد تنظيم داعش في نشرها بين الشباب من الجنسين في جميع أنحاء العالم، فأحدث الإحصاءات التي نشرتها المخابرات الهولندية تشير إلى أن حوالي (130) هولنديًّا توجهوا إلى سوريا للقتال مع داعش عاد منهم (30) فقط سالمين، بينما الباقون لاقوا حتفهم ودفنوا في أرض المعركة بسوريا والعراق، وهو مصير مئات الشباب العرب والأجانب الذين التحقوا خلال السنتين الماضيتين بصفوف التنظيم.
ونتيجة لتفشي "الظاهرة الداعشية" قررت كثير من الحكومات الأوروبية فرض رقابة صارمة على المجاهدين العائدين من سوريا والعراق، وشرعت دول أوروبية مثل هولندا في سحب الجنسية منهم، واتخاذ إجراءات قانونية ضدهم منها: وقف الإعانات الاجتماعية، والمنح الدراسية المجانية، وسحب جوازات السفر للحيلولة دون عودتهم لمناطق القتال، بينما رأت الدنمارك استخدام اللين معهم وعدم ملاحقتهم قضائيًّا والاستعاضة عن ذلك بتقديم استشارات نفسية لهم مع توفير وظيفة ومنزل، وهو الإجراء الذي لاقى استهجان الأوروبيين خصوصاً الإنجليز الذين اتخذوا ضد العائدين إجراءات قاسية (كالمراقبة والسجن) لوقف المد الداعشي في أوساط الشباب الإنجليزي الذي استهوى قطاع منه مشاهد العنف والقتل التي يبثها التنظيم على الإنترنت.