كان لبنان في العام 1976 قد مرت عليه سنة تقريبا من الحرب الداخلية، حين دخل الجيش العربي السوري إليه من أجل المساعدة. ثم تطور الأمر إلى دخول قوات عربية بناء على قرار من جامعة الدول العربية، فجاءته قوات يمنية واماراتية وسودانية وسورية. لم تلبث ان تبخرت كلها لاحقا بخروجها من لبنان باستثناء القوات السورية التي مكثت طويلا إلى العام 2005.
اليوم هنالك كلام واحساس ومعلومات بأن المنطقة العربية برمتها تتعرض لغزو إرهابي عناوينه الظاهرة (داعش" و"النصرة" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية)، وان الحرب على سوريا والعراق باتت متزامنة وتكاد تكون موحدة الأهداف. فلماذا يا ترى لا يجتمع العرب تحت إرادة واحدة من أجل رد الهجوم البربري عليهم. ولماذا يظل كل قطر عربي على حدة مشغولا بالدفاع عن نفسه مع علم الجميع بأن الكل معرض.
لقد سبق لجامعة الدول العربية ان تداعت خلال السنوات الأربع الماضية لأخذ قرارات أسهمت للأسف في رسم الخارطة الجيوسياسية الراهنة للوطن العربي، وهي مطالبة اليوم أن تجتمع للإعلان عن موقف تاريخي يعيد توحيد طاقات الدول العربية من أجل قيام قوات ردع عربية للتصدي للخطر الداهم وتصحيح المسار الخطر الذي يعتقد البعض أنهم بمنأى عن تداعياته، وثانيا المساعدة في إعادة الأمن والاستقرار إلى كل قطر عربي اصابته أزمة داخلية عاصفة.
نعرف مسبقا ان قرارا كهذا ليس له محل اليوم في الواقع العربي المأزوم الذي يحتاج إلى قوة من كوكب آخر كي تساعده على حل ازماته العامة والخاصة، باعتبار أن التفاهم العربي على مسألة كهذه صعبة المنال في هذه الظروف، وان العرب لا يرغبون بتدخل قوة من كوكب الأرض، وقد قالها العراقيون صراحة ان لا قوات اجنبية على الأرض العراقية، وهذا حال سوريا تحديدا، وغيرها من الدول. اذن كيف يكون الحل، والعرب لا يريدون عساكر من دول أخرى، وقد لا يريدون بالتالي من دول عربية شقيقة ليس لها غايات سياسية أو اقصادية أو اجتماعية أو انسانية سوى المساعدة على الحل ثم الخروج لحظة الطلب منها.
لو كان للعرب تفاهم على حل عربي لتحقق الأمر. تلك القوات العربية التي جاءت إلى لبنان لم تحصل ايضا الا بموافقات غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهذا ما يمكن تحقيقه ان لم تكن هناك سوء نية بين العرب أنفسهم، خاصة وأن لهذا الغرب عموما وللولايات المتحدة الأميركية خصوصا حظوة ونفوذا في العديد من عواصمنا العربية النافذة. ولكن من المؤسف خلال الواقع الحالي للأمة، هنالك افتراق يصعب تحقيق عكسه. هنالك تعد من بعض الدول العربية على أخرى، بل هنالك دعم وتمويل للإرهاب في سوريا والعراق وربما غدا في مناطق عربية أخرى. وهنالك حقد دفين أيضا، هو وراء المواقف القائمة والواضحة والتي لا تحتاج إلى كثير تأويل.
فهل معنى ذلك أننا أمام طريق مسدود؟!، وهل لا بد أن تهتز كل الكراسي وتتمزق كل الجغرافيا العربية ويتشرد المزيد من بني جلدتنا، وتدمر المزيد من طاقاتنا وإمكانياتنا وتستنزف مدخراتنا حتى نحس بالخطر المحدق ونتداعى لنصرة بعضنا البعض، بدل التآمر على بعضنا البعض، وحتى نغير المسار ونقوم بإعادة رسم واقع جديد وتخطي الحواجز السياسية القائمة؟!
نأمل أن ندرك جميعا أن لن تقوم لنا قائمة كعرب الا بمساعدة بعضنا، وإن مشاكلنا لن يحلها لنا الغير، فما حك جلدنا الا ظفرنا، وحتى لا نصل إلى مرحلة ينطبق فيها علينا جميعا مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".