تحدثنا في المقالة السابقة عن حماية أجر العامل في حالة تأخر صاحب العمل عن الوفاء به، ومدى امكانية العامل ترك العمل المكلف به في حالة التأخر عن دفع رواتبه. وخلصنا حينها أن المشرع العماني ألزم صاحب العمل بأن يؤدي رواتب العامل في التاريخ المتفق عليه.وبالتالي تأخر صاحب العمل في دفع رواتب العامل يشكل خطأ من جانبه واخلالا بأهم التزاماته تجاه العامل يحق لهذا الأخير المطالبة برواتبه المتأخرة مع التعويض ان كان له مقتضى. واستكمالا للحماية التشريعية التي أحاط بها المشرع أجر العامل نخصص هذه المقالة لنبين للقارئ وسيلة واثبات الوفاء بالأجر، فمن حيث وسيلة الوفاء بالأجر فقد سار المشرع العماني على نهج الاتفاقيات الدولية ومعظم التشريعات العربية بأن ألزم صاحب العمل بأن يتم دفع رواتب العامل نقدا وبالعملة المتداولة قانونا من منطلق تمكين العامل من معرفة مقدار ما حصل عليه من أجر وتشجيعه على الادخار ومن المؤكد لا يتأتى ذلك اذا ما تم دفع رواتبه عينيا... استنادا للمادة (49) من قانون العمل" تؤدى الأجور وغيرها من المبالغ المستحقة للعامل بالعملة المتداولة قانونا..." وتأكيدا على حماية أجر العامل من خلال وسيلة الوفاء بأجره نقدا جاءت المادة (55) من ذات القانون لتؤكد هذه الحماية فحظرت على صاحب العمل الزام العامل شراء أغذية أو سلع معينة أو مما ينتجه تجسيدا لحرية العامل في شراء ما يشاء ومن أي مكان يشاء. حيث جرى نص هذه المادة بالقول" لا يجوز الزام العامل شراء أغذية أو سلع من محال معينة أو مما ينتجه صاحب العمل." وما يجب التنويه اليه في هذه الجزئية أنه يجوز بالاتفاق بين المتعاقدين أن يكون الأجر كله أو جزءا منه عينيا... كما نصت الفقرة الأخيرة من المادة (49) من ذات القانون"... ما لم يتفق على أجر عيني." أما فيما يتعلق باثبات الوفاء بالأجر فانه من المقرر وفقا للقواعد العامة - أن صاحب العمل كمدين بالأجر - أن يثبت الوفاء بهذا الدين بكافة طرق الاثبات، الا أنه ونظرا لاهتمام المشرع بالأجر وحماية العامل لقصور امكانياته في الاثبات فقد وضع قواعد خاصة للاثبات بحيث لا تبرأ ذمة صاحب العمل من أجر العامل الا اذا قام بتحويل رواتب هذا الأخير الى حسابه بأحد المصارف المحلية حيث نصت المادة (53) بالقول"لا تبرأ ذمة صاحب العمل من أجر العامل الا اذا قام صاحب العمل بتحويل أجر العامل الى حسابه بأحد المصارف المحلية المعتمدة..." ومفاد هذا النص أن صاحب العمل لا يمكن أن يثبت واقعة الوفاء بالأجر الا من خلال تحويل رواتب العامل الى حسابه، بينما في المقابل يمكن للعامل أن يثبت عدم الوفاء بكافة طرق الاثبات وقد أكدت المحكمة العليا في هذا الشأن بقولها" يجوز للعامل اثبات حقوقه بجميع طرق الاثبات وذلك في حالة اذا لم يوجد عقد عمل مكتوب...". ونحن نختم مقالتنا هذه نؤكد أن المشرع العماني كان موفقا الى حد كبير عندما ألزم صاحب العمل بتحويل رواتب العامل الى حسابه من حيث أنه حقق الحماية اللازمة لأجر العامل ومن ناحية أخرى حقق بعدا اجتماعيا للعامل من حيث أنه وبتحويل راتبه الى أحد البنوك وبصوة منتظمة يتيح للعامل الحرية في صرف راتبه بالقدر الذي يعوزه وادخار الباقي منه مما يعني توفير الطمأنينية والاستقرار لهذا العامل وأسرته وفي ذات الوقت نكون قد أوجدنا مجتمعا مدركا بأهمية ما يسمى بثقافة الادخار.... ولذا نناشد جميع مؤسسات القطاع الخاص بمختلف أشكالها القانونية وتصنيفاتها تحويل رواتب عمالها الى حساباتهم الخاصة تفعيلا للمادة (53) من قانون العمل العماني... مقالتنا القادمة- ان شاء الله- نخصصها لبيان صورة أخرى من صور الحماية التشريعية لأجر العامل...

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقواني التجارية والبحرية