[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ضرب الصقيع آلاف العائلات السورية النازحة إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا وغيره .. امتزجت وجوه الأطفال بتعب خارج توقيت الطفولة، بعدما امتلأت أرجلهم بكل أنواع الوحل في يوميات يتكرر فيها هذا المشهد وقد يزيد. نقول للأطفال اصبروا، وللكبار انها قمة الصبر، وللعالم الذي يزيد من دوز الحرب على سوريا انظروا لعناتكم فهي سوف تصيبكم.
وعلى الجانب الآخر، ثمة أكثر من مائتي ألف قتيل وشهيد، ناهيك عن المقعدين والمشوهين، وهنالك مئات آلاف البيوت التي دمرت كليًّا وجزئيًّا .. وهنالك قبلها جميعا، نفوس غاصت فيها امراض الأعصاب والتشوهات النفسية والخوف والقلق المزمن والتوتر في أشده .. واذا زدنا هنالك جوع وقلة مال .. هنالك شباب ضاعت فرص حياته، وهنالك من لم تعد لهم مدرسة ولا جامعة، هنالك تشكيل من الآلام الموصوفة في حرب كهذه ..
حرب كونية لا يريد من شنها نهاية لها .. لا يوجد في السياسة عذاب ضمير وإلا كان كل اسرائيلي منتحرا باعتباره سارقا لوطن وساكنا فيه وطاردا صاحبه الأصلي، أو يصيب الانتحار كل قادة اميركا ومسؤوليها لأنهم دائمو ارتكاب المآسي بحق شعوب وأمم.
لا نقول من باب تعزية النفس إن الحرب على سوريا ستنتهي عاجلا أو آجلا، لكنها حتما إلى نهاية .. كما أنه من باب تعذيب النفس نقول إننا على أبواب سنتها الخامسة، الحرب الأهلية الاسبانية استمرت خمس سنوات لكنها حصدت الملايين والخراب الأعم الذي يفوق ما نراه في سوريا، اما ظلالها فما زالت قائمة، وستظل طويلا مع أن همسات الانفصال فيما بينها قائمة وغير محكية بصوت عال.
سوريا تئن من وجع الآخرين، لكن حسابات اليوم الآخر بدأت منذ زمن: كيف نعيد بناء ما تهدم وهذه لها أصولها ومعالمها وخططها التي قيل انها موضوعة ومرسومة، ثم كيف نرمم، وكيف نمسح غبائر الحرب عن الأبنية الأخرى وعن الشوارع، لكن الأهم والأهم، كيف نمسح العذاب الإنساني والتهجير وحنين البعاد عن الوطن وصوت القنابل والرصاص، ومشاهد القتل والذبح والسحل، كيف نغير خارطة الواقع القائم إلى واقع طبيعي تعود فيه سوريا إلى سوريا التي كانت، المحبة للجميع، السائرة بنهج الاعتدال وطمأنة المواطن على غده، القائدة في الملمات الصعبة، الشقيقة لكل شقيق سواء أرادها أو خانها الحالمة دائما بربيع عربي مختلف تكون فيه الأمة واحدة واحدة وقد تخلصت من ربق الاستعمار بكل اشكاله ..
في سوريا التي نحب لم نسمع متأوها ولا متألما، نرى عذابات ونسمع تضرعا، نلمح الوجوه المتعبة لكنها لم تعرف بعد سر العبوس .. نتجهم من حياة أطفال داهمهم الشتاء فأخذ منهم اشراقة اللعب والتعود على محاصرة أزمات اهلهم لأنهم لم يعوا بعد ما حولهم. وفي سوريا التي نجل، يظل وطن كبير بحجم قلوب اهله يكاد من فرط عشقه لثراه ان يقول ان الدنيا بخير .. كثيرا ما سألت ذلك الصديق القاضي الذي رفض ترك أرضه خارج الشام، فكان رده الدائم ما زالت الدنيا بخير. جواب كمن لا يريد تصديق ان الخير غادر بلاده، لكنه مقتنع انه موجود وإن غاب فلكي يعود أكثر مما كان.