[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
كلنا نعرف حجم بلادنا وأهميتها الجيواستراتيجية، ونعلم إمكانياتها الاقتصادية غير النفطية، الزراعية والسمكية والسياحية والصناعية.. يكفي لوحدها لأن تكون مصادر بديلة فعالة، ونعلم أهمية موانئها المفتوحة على البحار العالية البعيدة عن مناطق التوترات والصراعات الإقليمية التي يمكن أن تشكل لها دخلا دائما ومعتبرا لوحدها، وكلنا نفتخر ونعتز بقيادتها الواعية التي توجه هذه الدولة برؤية واضحة تفتح الآفاق إلى المستقبل عبر الرهان على سعادة الإنسان، هذه الرؤية نستدعيها من أول خطاب يلقيه عاهل البلاد في يوم انطلاقة النهضة العمانية في يوم الثالث والعشرين من يوليو 1970،، سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب،، هذا الخطاب التاريخي يشكل مرجعية دائمة وثابتة للعمل الوطني، فكيف تتناغم أو تتعارض الخطوات الحكومية المتخذة ضد المجتمع مع هذه المرجعية؟
بالطبع، تقف متعارضة معه شكلا ومضمونا، لأن عملية البحث عن حل لتداعيات الأزمة النفطية شملت حقوقا أساسية وثابتة للمواطن رغم وجود بدائل اقتصادية أخرى، وتلك الحقوق كحق العمل والترقيات والعلاوات تشكل جوهر سعادة المواطن، فأين المساعدة التي يحث عليها الخطاب السامي؟ المتأمل بعمق في المسارات والاختيارات التنموية في بلادنا خاصة تلك التي تثير اشكاليات اجتماعية، والمتأمل في منتوجات الفكر الاقتصادي قديما وحديثا، مثل ما ابدعه مؤخرا من خطوات تمس العمق الاجتماعي كتلك الخطوات ويمكن الإضافة عليها التعثر في سياسة التنوع الاقتصادي، ومفاجأة الفريق الاقتصادي والمالي باندلاع الأزمة النفطية الجديدة رغم أنه ينبغي توقعها في أية لحظات لاعتماد بلادنا الكبير على العوائد النفطية رغم رفع شعار تنويع مصادر الدخل منذ أكثر من (40) عاما، وكذلك القضايا التي تراوح مكانها منذ عام 2011، وكأنها لم تتحرك قيد أنملة، سوف يخرج من تأملاته منها، إن هناك خللا بنيويًّا مستداما في آليات العمل وبنيتها الفكرية، وهي التي تجعل تلك الإخفاقات تتجدد وتتوالى ماضيا، وحاضرا ومستقبلا إذا استمر دون معالجة عاجلة، وهذا التجدد والتوالي (نكرر) سوف يصطبغ على كل المراحل، وفي كل مرحلة سوف نظل نعلن مفاجآتنا بالأزمات، وهذا يعني أن سياسة تنويع مصادر الدخل هى مجرد شعار فقط، وهذا يعني كذلك عدم وجود جهود فعالة وصادقة لتقليل اعتمادنا الحقيقي على النفط والغاز رغم وجود القطاعات الاقتصادية البديلة، فمعجزة ماليزيا الاقتصادية عمرها (25) سنة، وبلادنا على مشارف الانتهاء من الرؤية 2020، ولا يزال اعتمادنا على النفط والغاز بنسبة (82%)، والان يتم التحضير للرؤية 2040، فهل ستكون نتائجها مثل سابقتها؟ وهنا ينبغي أن نفتح ملف المستفيدين من الرؤية 2020، وهل استفادة البلاد في حجم استفادة بعض الفاعلين الاقتصاديين؟ لو بحثنا في بعض المشاريع المليارية كميناء صلالة والدقم سوف نكتشف حجم الاستفادة ومساراته، والتساؤل الذي يطرح هنا، كم من رؤى طويلة الأجل يحتاجها الفريق الاقتصادي حتى يحرر بلادنا من ازمات النفط؟ إذا تركناهم لمئات السنين كما هم عليه، فستظل اوضاعنا تهتز مع كل هزة نفطية، وسنجدهم يبحثون عن الحلول داخل منطقتنا الاجتماعية، اي أن المجتمع سيكون دائما هو الضحية مستقبلا كما كان سابقا وماضيا، ولعلنا نذكر هنا بأزمة نفطية قديمة ونعتقد أنها في التسعينيات، وكيف أصبح الموظف يتفاجأ باستقالته،، إجباريا،، فوق طاولته، فكم من موظف سقط مغشيا عليه، وكم من موظف قد انفجرت فيه فجأة أزمة صحية مزمنة، وكم من أسرة تفككت بسبب هذه الاستقالة الاجبارية ..الخ وهذا كله بحجة تقليل النفقات بسبب تدهور اسعار النفط آنذاك، المواطن البسيط عليه أن يضحي بينما مصالحهم ومصالح الكبار في منأى عن اية مساس بها مهما كانت الأزمات، وترجعنا خطوات الفريق الاقتصادي والمالي الآن إلى هذا الماضي الذي عشنا معاناته مع بعض الأقرباء، العقلية هي نفسها، ومن ثم لا نستغرب من أن تكون الوسائل والأدوات مكررة وإن اختلف الفاعلون الاقتصاديون. فهل هذا النوع من الإدارات تصلح في بلد كسلطنة عمان، مترامية الأطراف، وذات حمولة ديموغرافية وجغرافية ثقيلة جدا وكانت تشكل محور الصراعات التاريخية؟ هل ينبغي أن تتخذ في الظرفية الداخلية الراهنة، وانفتاح بلادنا على الكونية، والأطماع الخارجية فيها، القديمة والجديدة، مترصدة بها من كل الجهات؟
نقولها بكل اطمئنان، إن بلادنا في أمس الحاجة الآن إلى شمولية المراجعة في الأشخاص قبل السياسات والاستراتيجيات وذلك للعلاقة الترابطية بينهما، فالمرحلة تحتاج إلى فاعلين في مستوى الدولة ومؤهلين لتحقيق رؤية القيادة الواعية، وهذا يجعلنا نفتح للمرة الثالثة موضوع استقلالية منصب رئيس مجلس الوزراء عن المؤسسة السلطانية، فوجود قائد تنفيذي يقود الفريق الحكومي، ويخضع للمساءلة والعزل في حالة إخفاقه في تحقيق الأجندة الوطنية وفق مرجعياتها، ويكون مسئولا عن الفريق الحكومي ضرورة تطرح نفسها الآن بقوة، فهو لوحده سيكون مسئولا عن النجاح والإخفاق، والآخرون معه بالتضامن، ومن ثم سيكون همه النجاح دائما، ولن ينجح إذا لم يعتد بالحمولة المجتمعية، ولن ينجح كذلك إذا لم يعتد ببقية الحمولات بما فيها الاقتصادية .. وهنا سوف يتحول أداءه إلى رجل دولة جل همه مجموع المصالح وليس المصلحة الاقتصادية، فهل سيتم تفعيل بعض مواد النظام الأساسي للدولة التي تستوعب مثل هذا التطور السياسي؟ وحتى في حالة تحقيق هذه النقلة السياسية، ومهما كانت الآفاق الإصلاحية المقبلة سواء كانت على صعيد استقلالية منصب رئيس مجلس الوزراء أو تغيير بعض الأشخاص فقط، فإن المرحلة تحتم كذلك إقامة كيان فكري جديد، نقترح تسميته بالدائرة المستقبلية ترتبط بالقمة السياسية، تكون بمثابة منصة مثالية للحوار لتبادل الأفكار والآراء ومن ثم توحيدها في الوقت نفسه، تضم خبراء ومتخصصين واكاديميين عمانيين تكنوقراطيين ومسئولين حكوميين مع الاستعانة ببعض الأجانب، تكون بمثابة مطبخ لإنضاج الأفكار والآراء ومن ثم تحديد الأولويات الوطنية وتستشرف المستقبل وتحدياته، ويتم فيها تبادل الاقتراحات المبتكرة حول تطوير القطاعات الحيوية في بلادنا وفق رؤية مستقبلية أو لمواجهة العقبات التي تحول دون عملية التنمية والتطور التي تحتاجها كل محافظات البلاد، وهذا كله بهدف إطلاق حملة العصف الذهني من أجل مستقبل أفضل لبلادنا.. ولهذا الكيان اهميات متعددة سنتناولها في مقال مقبل.