مع مرور الأيام المقررة لمحادثات مؤتمر جنيف الثاني بين الوفد الرسمي السوري والوفد المسمى اصطلاحًا "المعارضة" تبدو الصورة أكثر وضوحًا بين من يحمل قضية وطن وشعب، وبين مجرد مؤدٍّ لأدوار مطلوبة منه وطارح لاملاءات الأطراف الأصيلة في المؤامرة على سوريا.
وعلى الرغم من اشتغال الماكينات الإعلامية الموظفة أساسًا للترويج للإملاءات والشروط التي يطرحها ما سمي اصطلاحًا "معارضة" على الوفد السوري الرسمي، فإن الأخير بما لديه من إمكانات وما يتسلح به من شرعية ووطنية استطاع أن يضع النقاط على الحروف مفندًا تلك الإملاءات والشروط، كاشفًا وجه الحقيقة عن برنامجين أو مشروعين؛ الأول ويمثله الوفد السوري الرسمي يسعى إلى الحفاظ على الدولة السورية وحماية مصالحها ومصالح شعبها وتجنيبها شرور الإرهاب وأدواته ومرتزقته، ويضع حدًّا للتدخلات في الشأن الداخلي السوري، ويمنع عمليات تجنيد الإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين والظلاميين وإدخالهم إلى سوريا لمواصلة تدميرها وإبادة شعبها. أما المشروع الثاني فيمثله أولئك الذين أطلق عليهم أسيادهم مسمى "معارضة" ويسعى إلى تعطيل المشروع الأول ورفضه، والقفز عليه إلى صغائر الأمور وتفاصيل صغيرة ميكروسكوبية، والإصرار على إغراق الوفد السوري الرسمي والمبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في هذه التفاصيل الصغيرة، وذلك بترديد ما يسمى "ممرات إنسانية" وأين؟ في مدينة حمص! رافضين بذلك ورقة المبادئ التي قدمتها الحكومة السورية أمس، والتي تؤكد صراحة على احترام سيادة سوريا واستعادة أراضيها المغتصبة ونبذ كل أشكال التعصب والتطرف والأفكار التكفيرية، ومطالبة الدول بالامتناع عن التزويد بالسلاح أو التدريب أو الإيواء أو التحريض على أعمال إرهابية، كما تؤكد على أن الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية تقوم على سيادة القانون واستقلال القضاء وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي".
إن رفض ما سميت اصطلاحًا "المعارضة" لهذه الورقة لا يمكن تفسيره إلا بأنه إصرار على خيار الإرهاب والمراهنة عليه في تدمير الدولة السورية وتهشيم مؤسساتها، كما أنه يتناقض مع الأطروحات والكلمات والأدبيات التي تتظاهر بها المسماة اصطلاحًا "المعارضة" وادعاء الدفاع عن الشعب السوري وعن وحدة سوريا، ويبرز التناقض إلى درجة الافتضاح من خلال ما نصت عليه الورقة وهو "أن السوريين لهم الحق الحصري في اختيار نظامهم السياسي بعيدًا عن أي صيغ مفروضة"، بالإضافة إلى أنه دليل واضح على أن الوفد المسمى "معارضة" لا يمثل الشعب السوري، وإنما يمثل أطراف المؤامرة؛ لأن الشعب السوري هو مصدر الشرعية وهو من يحدد العمل الديمقراطي والمؤسسي ويختار الطريقة الديمقراطية المناسبة لإدارة الدولة السورية؛ لأنه بهذا الرفض إنما يسلب حقًّا أصيلًا متأصلًا من الشعب السوري، وبالتالي كيف يتأتى الحديث عن تمثيل الشعب السوري والدفاع عن حقوقه في الوقت الذي يتم فيه سلب أعلى حقوقه؟ ولماذا القفز من الكل إلى الجزء بتخصيص الحديث عن مدينة حمص والمطالبة بفتح ممرات إنسانية، في حين أن هناك مدنًا وقرى سورية تحت قبضة الإرهابيين ونير إرهابهم، وتمارس فيها أساليب الجاهلية الأولى؟
لقد أسقط ما يسمى اصطلاحًا "وفد المعارضة" ـ برفضه بيان المبادئ الذي تقدم به وفد الحكومة السورية ـ ورقة التوت وأثبت أنه مجرد وسيلة نقل لإملاءات وشروط الولايات المتحدة ومن معها من الأتباع والعملاء، وأن ما يسمى "الائتلاف" مجرد تجار وسماسرة يتاجرون بمصير بلد يدعون الانتماء إليه وشعب يدافعون عن مصالحه، وبالطبع فإن ذاك البلد والشعب براء مما يدعون، وقادم الأيام والأحداث ستثبت المزيد من البراهين على ذلك.