قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا معاذ بن جبل:(رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) .. سنن الترمذي.
اللسان هو ترجمان القلب ودليله صغير حجمه عظيم خطره وهو آية سبحان مبدعها وصانعها ،فاللسان واحد في الشكل والمنظر ولكن الكلام مختلف قال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) (الروم ـ 22)، واللسان باب عظيم إلى النار لحديث معاذ بن جبل كما أنه باب عظيم إلى الجنة للحديث ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ... ) واللغة والنطق ليست فارقا بين الإنسان والحيوان بل لكل لغته قال تعالى:(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء ـ 44).
إن حصائد اللسان هي أقواله المحرمة وهي أنواع كثيرة منها ما يوصل إلى الكفر ومنها دون ذلك فالاستهزاء بالله ودينه وكتابه ورسله وآياته كل هذا كفر بالله ومخرج عن الإيمان وهو من حصائد اللسان. وهل دخول الإنسان في دين الله إلا بكلمة وهل الخروج من الإسلام إلا بكلمة والكذب والغيبة والنميمة والفحش والسب واللعن كل هذا من حصائد اللسان. وفي الحديث ( إن الله ليبغض الفاحش البذئ) ـ سنن الترمذي.
والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة ومعصية القول باللسان يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله ويدخل فيها القول على الله بلا علم وهو قرين الشرك ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بالله، وكل ذلك لا يصدر من مؤمن
فالمؤمن الحق ليس بطعان ولا لعان ولا نمام ولا مفتر لبهتان ، وليس بكذاب ولا زان ومن حفظ ما بين لحييه وفخذيه فقد فاز بالأمان والنجاة من الشيطان واستحق الضمان بالجنة والرضوان عن سهل بن سعد قال ، قال (صلى الله عليه وسلم)
:(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) ـ رواه البخاري فما أسهله من عمل وما أعظمه من أجر والله تعالى يقول في سورة الحجرات (آية 12):( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) وقد أخذ الله تعالى الميثاق على بني إسرائيل في عهد موسى ألا يقولوا إلا حسنا فقال تعالى:(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً) (البقرة ـ 83) والكلام الطيب جميل مع الأصدقاء ومع الأعداء أيضا فأما مع الأصدقاء فهو يحفظ مودتهم ويستديم صداقتهم وأما حسن الكلام مع الأعداء فهو يطفئ خصومتهم ويكسر حدتهم.
وذكر ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس في قوله تعالى:(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق ـ 18) قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، وذكر أيضا عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه الذي مات فيه فبلغه عن طاووس أنه قال يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن الإمام أحمد رحمه الله حتى مات.
إن اللسان يحصد منه الخير كما يحصد منه الشر فالنطق بالخير أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وتعلّم الجاهل وتذكر الغافل وتنذره من عقاب الله وترشد الضال إلى طريق الهداية ومن ذلك تلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والإصلاح بين المتخاصمين وإفشاء السلام والدعاء بما تريد من الصالحات وبما تريد من خيري الدنيا والآخرة والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وغير ذلك من الأمور التعبدية المرغب في العمل بها.
أما نطق اللسان بالشر فمن ذلك الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والسب والشتم واللعن وقذف المحصنات والسخرية من الآخرين والهمز واللمز وإفشاء السر وبذاءة اللسان والخصومة والجدال بغير الحق وكثرة المزاح باللسان.
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

أنس فرج محمد فرج