عبدالفتاح بن محمد تمنصورت:
القارىء الكريم .. حينما يأتي الإنسان إلى الدنيا فإنَّ له مُهِمَّة كبيرة فإِذا شُغِلَ عنها فقد لهى بسواها وانشغل عنها، وَرَدَ في بعض الآثار القدسية:(أي عبدي خلقتُ لك مافي الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتُك من أجلي فلا تلعب،فَبِحَقِّي عليك لاتتشاغلْ بما ضمنته لك عمَّا افترضتُهُ عليك).

علينَا أن نفهم أنَّ ضمانَ الله لنا الرزق مثلا ليس معنى ذلك أنْ نمدَّ يدنا صبيحة كل يومٍ تحت الوسادة لِنَأْخُذَ المالَ بل إنَّ معنى ضمان الرزق لنا من الله بمعنى علينا أن نسعى في سبيل الحصول عليه بالطرق المشروعة و أنْ نأخذَ بالأسباب، أمَّا أن نَقْلَقَ وننسى ربنا وديننا وآخرتنا ونقع في المعاصي والآثام من أجل الرزق فهذا لا يُرْضِي الله عز وجل.

فإنَّ من أسباب وفرة الرزق كثرة الاستغفار، قال تعالى:(فقلتُ استغفروا ربَّكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لَّكم جنَّاتٍ و يجعل لكم أنهارًا) (نوح 10 ـ 12)، واتقان العمل أحد أسباب وفرة الرزق (إن الله يحب من العبد إذا عمل عملًا أن يتقنه)، والصدقة كذلك أحد أسباب وفرة الرزق، (استنزلوا الرزق بالصدقة) (وأنفقوا من ما رزقناكم) (المنافقون ـ 10)، وأسباب أخرى .. ولله جلَّ وعلاَ حقٌّ في أوقاتنا عبادةً وذِكْرًا.

فيجب علينا أن نُؤَدِّيَ الصلوات الخمس في أوقاتها وأن نتقنَ أداءَ هذه الصلاة، ويجب علينا أن نقتطعَ من وقتنا زمنًا لتلاوة القرآن وآخر لطلب العلم، ورابعًا للأعمال الصالحة للدعوة إلى الله وهدايةِ الناسِ، كلُّ ذلك يُعَدُّ زكاةً للوقتِ، فقد جاء في الأثر:(من شغله القرآنُ وذكري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أُعطي السائلينَ).

فالحذر الحذر من تقديمِ وقتِ الأولاد والمال على وقتِ الله وتقديمِ رضاهم على رضا الله، فإنَّ ذلك يُوقِعُ فيما وقع فيه المنافقون حين آثروا دنياهم على آخرتهم، هكذا قال الله عزَّوجلَّ:(إنَّ هؤلاء يحبون العَاجلةَ ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً) (الانسان ـ 27).

القارىء الكريم .. إِنْ أردتَ أن يرضى عنك ربك وإِنْ أردتَ أن تكون مؤمنًا حقًّا فانفِقْ مما رزقك الله ولا تنشغل بأن تسعى وراء ضمان مستقبل أولادك فتعصي ربك بإيثارك المال والولد على طاعة الواحد الأحد، كان رسول الله (عليه الصلاة والسلام) يمشي مع أصحابه فرأوا قبرًا، فقال (عليه الصلاة والسلام):(صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفُّلِكم أحبّ إليه من كل دنياكم)، وعن عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لرجل وهو يعظه:(اغتنم خمسًا قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) ولا أجد أحسن ولا خير من توجيه وموعظة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كيفية ربح صفقة العمر.

* إمام مسجد الشجيعية بمطرح