فارس كريم:
تتعدد صور إعجاز القرآن الكريم بين لفظه وصوته ، فمنها اختياره للألفاظ بدقة عجيبة, حتى لا تجد لفظًا يمكن استبداله بآخر فمثلا قوله تعالى:(قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) ففلظة (بعل) ترادف في اللغة لفظة (زوج) مع الفارق بينهما فالزوج هو صاحب الزوجة سواء كان قادرًا على الإتيان أو غير قادر، أما (البعل) فهو صاحب الزوجة القادر على الإتيان فلايمكن استبدال لفظة الزوج مكان البعل.

ومنها دقة التركيب وأسلوب نظم المفردات القرآنية، أو حذفها لتجميل المشهد القرآني, وذلك في نحو حذف النافخ في الصور في كل آيات النفخ في الصور ، في نحو قوله (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) فحذف الفاعل من الجملة مشهد النفخ حتى لا يتعلق الذهن ولا يشخص البصر للنافخ ويكون فقط التعلق بالحدث, حدث النفخ.

ومنها الإيقاع الجميل في تراكيبه وجرس ألفاظه، ومنها توزيع الحروف على مساحات الكلام بين مجهور ومهموس ومفخم ومرقق وشفوي وحلقي ولساني وأسناني، بحيث لا تجد كلمة صعبة النطق ولا قلقة اللفظ في موضعها.

على أن من صور الإعجاز في القرآن الكريم يتمثل في الفاصلة القرآنية والتي تقابل القافية في الشعر، والسجع في الكلام المنثور (فواصل الآيات القرآنية دراسة بلاغية دلالية) بتصرف.

والفاصلة القرآنية قد تكون في كلمة من بينة آية قصيرة وقد تكون كلمة من بينة جملة تأتي في نهاية الىية معقبة للكلام أو مقررة أو مؤكدة له، وفي كل هذه الصور تنتهي بصوت قد يتكرر محدثًا إيقاعًا في صورة السجع وقد لا تتكرر، ولكنها دائمًا تحتفظ بإحدى صور التوافق الصوتي مع الفواصل السابقة واللاحقة لإحداث الأيقاع الصوتي، كآن تكون الكلمتان على زنة واحدة أو من فصيلة صرفية واحدة.

والفاصلة القرآنية هي كلمة تقع آخر الآية، كقافية الشعر، وشجية النثر (الفاصلة في القرآن) (محمد الحسناوي: 19)، والفاصلة لها دور عظيم في كشف جماليات الأداء الصوتي الذي تتميز به تلاوة القرآن الكريم.

والفاصلة بقيمتها الإيقاعية والموسيقية تلعب دور المفتاح في اللحن الموسيقي ولا وجه للمشابهة بين القرآن والألحان الموسيقية إلا لتقريب المثال، فنرى في القرآن براعة في تنويع مفاتيح البدء والانتقال في السورة الواحدة بيسر وسهولة (النسق القرآني دراسة أسلوبية 86) لمحمد الجاجي.

* استاذ في القراءات العشر