[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
يومان متتاليان ساخنان عاشتهما مصر مؤخرا .. اليوم الأول الجمعة الماضية والتي أطلق عليها جمعة "رفع المصاحف" التي دعت إليها الجبهة السلفية واستغلتها جماعة الإخوان المسلمين .. واليوم الثاني السبت الماضي والذي قضت فيه المحكمة بتبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الستة من تهمة قتل المتظاهرين .. مر اليوم الأول وسط إجراءات أمنية مشددة كانت فيه الشوارع شبه خالية إلا من مظاهرات محدودة في مناطق متفرقة شهدت بعضها اشتباكات أسفرت عن وقوع 3 قتلى بينهم عميد بالقوات المسلحة، والقبض على ما يقرب من 250 شخصا من مثيري الشغب والعنف على مستوى محافظات مصر .. المهم مر اليوم مرور الكرام رغم ما سبق هذا اليوم من مخاوف في نفوس المصريين ساهمت في تضخيمها أجهزة الدولة والإعلام!!
الجبهة السلفية صاحبة الدعوة للتظاهر اعترفت بالفشل واتهمت القوى الإسلامية بالتخاذل، وقالت في بيان لها "إنه رغم خذلان قيادات القوى الإسلامية التقليدية لقواعدهم وإصرارها على عدم الارتقاء لطموح عموم الحركة الإسلامية وتطورات الواقع فإننا نؤكد على أن الفعاليات قد عانت من أوجه من القصور. ولكن ستظل متصاعدة" حسب ما جاء في البيان .. وفي اليوم التالي كانت الفرصة سانحة للتصعيد والعنف، حيث جرت جلسة النطق بالحكم في القضية المعروفة إعلاميا بمحاكمة القرن والتي قضت فيها المحكمة بتبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه وعدد من رموز نظامه في قضية قتل المتظاهرين، وهو ما أدى إلى إحداث انقسام داخل المجتمع المصري، فهناك من رحبوا وأيدوا الحكم بل وصفقوا وهللوا له .. وهناك من انتقده واعتبره انتكاسة وجريمة في حق شهداء الـ25 من يناير .. بل وخرجت العديد من الصحف المصرية في اليوم التالي بمانشيتات عريضة تتساءل: "من القاتل إذن؟" ليعود الجدل من جديد إلى الشارع المصري، ويعود الحديث إلى إمكانية عودة نظام مبارك مرة أخرى!!
الداعون لتظاهرات جمعة "رفع المصاحف" الذين فشلوا في الحشد وجدوا في حكم البراءة الذي حصل عليه مبارك ونجليه ورموزه فرصة ذهبية لإثارة الشارع المصري وتهييجه، فحاولوا التظاهر واحتلال ميدان التحرير، ما دفع قوات الأمن إلى التعامل معهم وإغلاق الميدان، وسقط قتيلان في اشتباكات ميدان عبدالمنعم رياض القريب من ميدان التحرير، حيث حرضت جماعة الإخوان أنصارها على استغلال براءة مبارك لتنظيم تظاهرات وتفجير ما وصفته بـ"بركان الغضب"، فيما دعت الجماعة الإسلامية المتظاهرين إلى حمل السلاح ومحاولة اقتحام ميدان التحرير مرة أخرى، بل لم تمضِ ساعات على الحكم ببراءة مبارك حتى نشرت صفحات الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" دعوة تحت عنوان "بأمر الشعب اتحدوا ورجعوا حقهم" في إشارة إلى حق الشهداء!!
جماعة الإخوان بعد أن فشلت في الحشد وانكشف حجمها، تحاول جاهدة في الوقت الحالي التحالف مع القوى الثورية الأخرى مستغلة رفض العديد من هذه القوى تبرئة مبارك من قتل المتظاهرين، وقد فجرت الدعوة التي أطلقها "تحالف الإخوان" للتصالح مع القوى الثورية حالة من الانقسام بين قواعد التنظيم حيث وافق فريق على التنازل عن مطلب عودة الرئيس المعزول محمد مرسي مقابل التصالح، فيما رفض آخرون التراجع عما وصفوه بـ"الشرعية". في المقابل جاء في بيان منسوب إلى "تحالف دعم الشرعية" إنه يجب مواصلة الحراك الثوري في أسبوع "الله أكبر .. إيد واحدة" من أجل حق الشهيد واستمرار الرفض الشعبي لتبرئة مبارك ورموزه وتأكيد العهد على استكمال ثورة الـ25 من يناير حتى الخلاص والقصاص، فيما دعا رفاعي طه القيادي بالجماعة الإسلامية إلى حمل السلاح، واعتبره هو الحل الوحيد لإسقاط النظام الحالي!!
محاولة استغلال جماعة الإخوان الحكم ببراءة مبارك دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي في اليوم التالي لإصدار بيان رئاسي أكد فيه أن مصر الجديدة التي تمخضت عن ثورتي الـ25 من يناير والـ30 من يونيو لا يمكن أن تعود أبدا إلى الوراء وأنها ماضية في طريقها نحو تأسيس دولة ديمقراطية حديثة قائمة على العدل والمساواة ومحاربة الفساد .. وفي هذا الإطار كلف الرئيس السيسي المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمراجعة الموقف بالنسبة لتعويضات ورعاية أسر الشهداء ومصابي الثورة، كما كلف الرئيس السيسي لجنة الإصلاح التشريعي بدراسة التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية التي أشارت المحكمة التي برأت مبارك إلى ضرورة إجرائها!!
كان المستشار محمود كامل الرشيدي قاضي محاكمة القرن قد أعلن قبل النطق بالحكم في القضية المتهم فيها مبارك بأنه ما كان يتناسب إجراء محاكمة جنائية للرئيس الأسبق عملا بقانون العقوبات واستبدال الأفعال الخاطئة في نطاق المسئولية السياسية بالجرائم المشار إليها في منطق الاتهام، مشددا على أن القضاء لا شأن له بالسياسة، مشيرا إلى ما اعترى نظام مبارك من وهن في سنواته الأخيرة كبطء القرار وتهيؤ فرع منهم للاستحواذ على مقاليد الحكم وقرب الاتباع ونضب ضخ دماء جديدة على مقاعد صارت حكرا لقيادات تناست دورات قانون عجلة الحياة، وغض الطرف عن الموروثات الشرطية التي غفلت الفكر الأمني الخلاق، وتقاتل على ثروات مصر زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين مع تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول المستشرقة للغد .. وهو ما يعني أن المحكمة أدانت نظام مبارك سياسيا إلا أنها برأته جنائيا من تهمة قتل المتظاهرين حيث اعتبرت بأنه لا وجه لإقامة الدعوة ضد مبارك في قضية قتل متظاهري الـ25 من يناير!!