د.صالح بن سعيد الحوسني:
ولدي .. أكتب لك رسالتي هذه بمداد كلماتي أو إن شئت بدم قيلت بعد أن ثقلت على أذنك استيعابها وفهمها بالرغم من كثرة ترددها بين الفينة والأخرى.
واعلم ولدي الحبيب .. أن هذا التكرار والإعادة ما هو إلا مزيد من الشوق والحب والرغبة الجامحة في أن تظل على عرش الخير والنجاح وخوفًا من النكوص وزلة القدم التي قد ترمي بك بعيدا عن مدارج المتفوقين وطريق الأذكياء النابهين.
ولدي الحبيب .. في خاطري وقفات كثيرة وكلمات طويلة ولا أحب لنفسك أن يتسلل لها الملل فتنكص عن قراءة ما كتبت أو تلقيت بما أرسلت لك .. لذا سأتلطف بالعبارة واختصر في القول والإشارة حتى تصل كلماتي إلى أهدافها، وتبلغ من التأثير بمعانيها ومراميها فقد تفعل الكلمات القلائل في نفس قارئها ما لا تفعله الصفحات الطوال، فافتح قلبك حديثي، وأصغ عقلك ونفسك لكلماتي، فإنك لو فتشت ممن تراه من البشر وما لم تره لن تجد شخصًا يماثل الأب في شفقته، والأب في حنوه وحرصه على فلذة كبدي ولعلك تدرك ذلك أو لا تدركه لأنك لم تجرب رتبة الأبوة وربما تتخيل ما أرميه وأقصده.
ولدي الغالي .. لا تظن يومًا أن الحياة رحلة للتسلية أو المتعة، بل إياك أن تفهم أن الحياة الراقية تُنال بالراحة والسكون وكثرة الكسل والنوم، بل الحياة أعمق من هذا التصور السطحي البائس، فالله خلقنا لنرى مدى تنافسنا واجتهادنا ولا أريد سرد الأدلة على حديث الانام بما توخيته من الاختصار، وقد سردت لك سابقا من الحكم في هذا الشأن، ومن ذلك أن الوصول الى درجة التفوق وقمة النجاح تحتاج إلى تضحية وثمن يتلخص من ترك الهوى وبذل الجهد وتنظيم العمر واستفراغ الوسع وغيرها من الأسباب.
ولدي الحبيب .. إياك ثم إياك أن تظن أن الفشل والتأخر هو الآخر بلا ثمن أو تضحية بل هو أعمق أثر وأسوأ عاقبة، وإن أردت أن أعرض عليك شيئا من ذلك ثمثيلا وتقريبا فأقول إن تضحية النجاح مؤقتة تكون بعدها هانئ البال .. سعيد النفس .. منطلق الطموح واسع الخيال، وأما ثمن الفشل فهو أمر دائم يلازمك طيلة حياتك وربما بعد مماتك إن لم ترجع إلى الله، يظهر أثره في حشرجات متتابعة .. وتأوهات متتالية .. وعض على أصابع الندم لفوات الفرص وضياع الأوقات ونقص الأعمار، ولا أجد تقريبًا لما عنيته إلا قول القائل:(اتعب الآن وعش أملك طيلة حياتك).

✽ مدير دائرة شئون الحج بوزارة الاوقاف والشئون الدينية