فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الكثيريين مؤخرا عندما شخص الأزمة التي تجتاح العراق على أنها أزمة اقتصادية إلى حد ما، مشيرا إلى أن السنة العراقيين تم عزلهم من الاقتصاد العالمي، وقد أدى ذلك بدوره إلى إحباطهم عن تحقيق تطلعاتهم. ومع أن الفوضى في العراق لها العديد من المصادر، إلا أن الرئيس كان محقا إلى حد ما، وإن كان ليس السنة العراقيون وحدهم بل إن الشرق الأوسط برمته منعزل عن الاقتصاد العالمي.
تسهم المنطقة بما يزيد قليلا عن 4% من الواردات العالمية، وهو ما يقل عما كان عليه الحال في سنة 1983، في حين تسهم ألمانيا وحدها بنسبة 6.4%. ويبرز الركود الاقتصادي للمنطقة بشكل لافت عند مقارنتها بالاقتصادات الآسيوية. فوفقا للبنك الدولي، في 1965، كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في مصر 406 دولارت، بينما كانت في الصين مجرد 110 دولارات.
اليوم وباستخدام السعر الثابت للدولار، زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر أربعة أضعاف ليصل إلى 1566، بينما زاد في الصين ثلاثة أضعاف ليصل إلى 3583 دولارا. وبشكل مماثل فإن إيران وكوريا الجنوبية كان لهما تقريبا نفس النصيب لمواطنيهم من الناتج القومي الإجمالي في عام 1965. أما الآن فقد بلغ نصيب الفرد في كوريا الجنوبية 24 ألف دولار، بينما وصل في إيران إلى 3 آلاف دولار فقط.
وليست اقتصادات الشرق الأوسط مفصولة عن العالم فحسب، بل إنها مفصولة عن بعضها البعض أيضا. فأغلب الصادرات في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا تبقى داخل تلك المناطق. وثلثا الصادرات إلى أوروبا تأتي أيضا من أوروبا. أما في الشرق الأوسط، فإن 16% فقط من الصادرات للمنطقة ككل تأتي من بلدان شرق أوسطية أخرى.
وبينما يركز المراقبون الغربيون على القضايا السياسية في الشرق الأوسط، يشغل الناس أنفسهم في المنطقة بالقضايا الاقتصادية. وفقا لاستطلاع رأي تم مؤخرا، يرغب سكان قطاع غزة بأغلبية كبيرة في تحقيقه تهدئة مع إسرائيل وفرصة في الحصول على وظائف هناك. وفي استطلاع رأي آخر، أدرج الإيرانيون زيادة فرص التوظيف على أنها أهم أولوية سياسية لهم لتعلو بشكل كبير على موصلة برنامج التخصيب النووي.
غير أنه في الوقت الذي يأمل فيه سكان غزة في إنهاء الحصار المفروض عليهم، والإيرانيون برفع العقوبات المفروضة عليهم، فإن أيا من تلك الخطوات ربما لا توفر طوق النجاة أو العصا السحرية. فالتوعك الاقتصادي متوطن في المنطقة، حتى في الأماكن التي لا تعاني من حصار أو عقوبات.
ويجب أن يثير ذلك قلق واهتمام صناع السياسة الغربيين. فالتفرقة بين المشاكل الاقتصادية والسياسية غير حقيقية. فعلى غرار أي مكان آخر، فإن الاقتصاد والسياسة مرتبطان ارتباطا وثيقا. والتقدم الاقتصادي هو المفتاح لتخفيف عدم الاستقرار المزمن الذي يهدد المصالح الأميركية في المنطقة.
في البلدان المستوردة للنفط يقع القطاع العام المتضخم في قلب المشاكل الاجتماعية الاقتصادية. ففي أماكن مثل مصر، حيث يشغل القطاع العام نحو 30% من العمال، فإن حكومات ما بعد الثورة وفي بحثها عن حلول اقتصادية سريعة زادت بشكل كبير من القوى العاملة الحكومية والمرتبات. ويشجع الدعم الحكومي السخي ولا سيما في الوقود على الاستهلاك المفرط ومحاباة الصناعات غير الكفأة وكثيفة استهلاك الطاقة. وبالإضافة إلى فواتير أجور القطاع العام الكبيرة، فإن هذا الدعم يضغط بشدة على ماليات الحكومة، مما ينتج عنه عجز في الميزانيات الأمر الذي يزيد من كلفة الائتمان.
تلك السياسات مع العقبات في القيام بالمشروعات، تمنع ذلك النوع من النشاط للقطاع الخاص الذي يزيد النمو والتشغيل. وفي أنحاء المنطقة، فإن عدم التوظيف ـ ولا سيما بين الشباب ـ هو في كثير من الحالات أعلى مما كان عليه الحال عن تفجر الانتفاضات العربية، والنمو الاقتصادي بطيء بشكل لا يمكنه من مواجهة هذا الاتجاه.
تلك المشاكل ليست محصورة على البلدان المستوردة للنفط. فقد حذر صندوق النقد الدولي بأن سنوات الفوائض الضخمة للبلدان المصدرة النفط تقترب من نهايتها جراء الإنفاق الضخم وزيادة عدد السكان. وهذا يجعلها غير محصنة بشكل متزايد أمام انخفاض أسعار النفط والتي تبدو محتملة بشكل متزايد مع دخول مصادر جديدة على الخط على الصعيد الدولي.
مع ذلك يمكن معالجة المشاكل الاقتصادية. فعلى النقيض من المعضلات السياسية للمنطقة ـ والتي غالبا ما تبدو مستعصية على الحل ـ فإن الغرب غير قادر فقط على المساعدة بل إن الزعماء الإقليميين منفتحون على تلقي المساعدة. ويقدم الأردن مثالا في ذلك: ففي خضم فوضى الانتفاضات العربية، نفذت عمَّان بهدوء إصلاحات صارمة بمساعدة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي.
إن مستوردي النفط بحاجة إلى استبدال دعمهم المكلف للوقود بمساعدة تستهدف الفقراء وخلق شبكات ضمان اجتماعي. كما أن عليهم أيضا تقليل اعتمادهم على المعونة الخارجية، والحد من الفساد وإحداث تغييرات قانونية لتشجيع نمو القطاع الخاص. وعلى المصدرين تقليص الإنفاق وتنويع اقتصاداتهم. وعلى كل منهما تقليص قطاعهم العام وتحديث نظمهم التعليمية.
وليس على الولايات المتحدة وحلفائها تقديم النصح في التغلب على تلك التحديات فحسب، بل إن عليهم تحفيز الحكومات الإقليمية على القيام بذلك. وهذا يعني العمل مع الحلفاء الإقليميين الذين يسعون إلى تنويع وتحديث اقتصاداتهم، وتنسيق المعونة الاقتصادية وربطها بإحراز تقدم في عملية الإصلاح بما ذلك الخطوات السياسية اللازمة لإنجاح الإصلاحات.
كما يجب على أميركا أن تشجع اندماجا اقتصاديا أكبر عن طريق التعاون مع منتجي النفط الأثرياء في الاستثمار في عمران جيرانهم الأكثر فقرا وعن طريق توفير مدخل أفضل لبلدان الشرق الأوسط للأسواق الغربية وخاصة الاتحاد الأوروبي.
غالبا ما يتم انتقاد النصح للولايات المتحدة بعمل الكثير في الخارج على أنه دعاوى مبطنة لاستخدام القوة العسكرية. غير أن دمج فن الإدارة الاقتصادية في الدبلوماسية من شأنه أن يساعد على توسيع الدور الدولي لأميركا فيما وراء المجال الأمني بطريقة تشجع السلام والاستقرار على المدى البعيد.
ربما يكون من السذاجة الاعتقاد أن النمو الا قتصادي سيحل كل المعضلات الشائكة في الشرق الأوسط؛ بيد أنه ربما يكون من السذاجة بنفس القدر الاعتقاد أنه يمكن حل هذه المعضلات بدون نمو اقتصادي.

*مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومدير سابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي. خدمة نيويورك تايمز خاص بـ"الوطن"