[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
نكتب ضد الحرب، لكن الحرب تمضي .. نبكي مع أهل الشهداء، لكن الشهداء على ازدياد .. نصنع من كلامنا جسرا لعبور محبة، لكن رصاص الإرهاب أسرع من كل الكلمات والبرقيات والتأملات التي نظن أنها قد تتحول إلى حقيقة.
كلما زار صديق دمشق، حدثنا عن مشاهداته، فعالم العاصمة السورية مختلف عن بقية المواقع السورية .. يقولون لك إنه عادي، الكل يعمل، والمصانع شغالة، والسيارات على كثافتها، والتاكسي الصفراء التي تزين العاصمة لا تتوقف، لكن هذا الكل مهموم، من حق أفكاره أن لا تذهب أبعد من مكانه، من وطنه كله، من تفاصيل التفاصيل التي يمر بها قطر جميل، عزيز على القلوب.
ومع شوقي لزيارة سوريا، إلا أني حاولت مرارا قطع المسافة وحين أدخل ما يمسى بالحدود السورية تراني أعود .. أصعب على المحب أن لا يرى وجه حبيبته متعبا مشوها، قلقا وحائرا، منزوعة منه تلك النضارة التي اعتدنا عليها خلال سنوات طويلة. كم كان الذهاب إلى دمشق واحدا من أجمل المشاريع السريعة والطويلة المكوث، وكم كان يسود الحزن والصمت عندما كانت العودة منها.
من المؤسف أن لا يكتشف السوري بلده إلا في أزمته، تماما مثلما نعرف قيمة الصحة عندما نمرض. كان شعاري قبل أزمتها، أن تعالوا نكتشف سوريا .. مذهلة حقا أن ترى تضاريسها المختلفة بين الصحراء الجميلة، والطبيعة الجبلية الخلابة، وبين الساحل المبتهج ببحر لا ينتهي ماؤه اللازوردي. كنا نعيش النهار كمن يشعر أنه آخر نهار في الحياة مفعما بالنشاط والحركة .. كانت سوريا قطعة من الجنة لو سمح لنا الوصف بهذا القول الحقيقي. وكانت دمشق مدخلنا إليها، مكتباتها العامرة شهوة العقل، أول طلة على تلك العاصمة الحنون تذهب إلى معرفة الجديد في عالم الكتاب، كان الاهتمام قبل الأصدقاء والأحبة ، وكان السير في شوارع أكل الدهر منها سنين طويلة مطلبنا، وهل غير أسواقها القديمة ما يغني النفس التواقة إلى عالم الأمس الذي نحن إليه ونحن في لحظة شوق إلى عتيقه.
نكتب عن السلام، لكن الحرب ماضية، لعلها لم تغتسل بعد من أفكار من هاموا بالسلاح وظنوه شكلا للتفاهم. لا يمكن الحوار بمسدس وطلقات رصاص ورشاشات .. لكن جيشنا العربي مضطر إلى النار بالنار .. الإرهاب لا يفهم، مهما قيل فهو غبي في فهم مشيئته .. هو الوحيد الذي يبدأ وينتهي، لكن العافية مهما ابتعدت فهي تعود لتظلل وطنا وشعبا وأمة.
سلام إلى الشام التي تصد عنا جميعا أبشع جريمة بحق إنسانها .. هي دائما على حال من الصمود والتصدي والفعل الكبير الذي من أجله تحيا، وهو عروبتها. يمكن ببساطة أن تسلم ذاتها تحت طائلة العفو عنها، لكنها أجادت طويلا لعبة المسؤولية الدائمة في مشروع بناء الوطن الكبير.
يا كل الشام التي صرخت فيها فيروز دائما بأنك المجد لم يغب، نكبر فيك صحوك الدائم، ومنبهرون بك، ما زلت لنا الأمل الذي نسافر إليه عارفين آخر محطاته .. وصعبا أكانت الطريق أم سهلة فسننتصر.