استدعت ندوة "رحلة السفينة سلطانة إلى نيويورك "نحو فيلم توثيقي" التي أقيمت في مسقط الأسبوع الماضي، حدثين مهمين لدى الدكتور عبدالكريم جواد، الأول إخراجه لعرض مسرحي عن رحلة السفينة سلطانة كتبه صديقه فاروق صالح من مصر عام 1993م بمناسبة العيد الوطني الثالث والعشرين للسلطنة، والثاني زيارته مطلع هذا العام لزنجبار، حيث وجد نفسه وجها لوجه مع قصر المتوني وبيت الساحل والميناء الذي أبحرت منه سلطانة وعادت إليه.
ومع أهمية الحدثين اللذين فرضا نفسيهما على الورقة التي قدمها الدكتور عبدالكريم جواد في "الندوة" ـ وهو الأمر الطبيعي ـ إلا أنه التزم منهجا أكاديميا في الطرح، إذ تضمنت مقدمة ومتنا وخلاصة ومصادر. مقدما رؤيته الدرامية، وأوجه تحديات إنتاج العمل الدرامي.
والحديث عن رحلة (السفينة سلطانة) كحدث تاريخي ومشروع لفيلم وثائقي أو فيلم درامي أو فيلم يجمع السياقين معا حديث شيق، وهو بقدر ما يفتح آفاق الفكر ويلج صفحات ناصعة من التاريخ العماني المجيد، بقدر ما يطلق العنان لأساطين الخيال لتمرح في المجهول من عالم البحر، والزمن الغابر، واللقاء المدهش بين ثقافتين مختلفتين تمام الاختلاف، في عصر لم يكن قد دشن بعد حوار الحضارات.
كتابة التاريخ انطلقت في بداياتها من المنطوق الشفهي، فكل تواريخ العالم كانت خلال نشأتها وفي أساسها شفوية منذ هيرودوت الذي ألف "التنقيب"، وتوسيديد صاحب "حرب البيلوبونيز"، مروراً بالإخباريين العرب الأوائل والوسيطيين الذي أقاموا سردهم على نحو واسع بناء على الشواهد الشفهية. ولم تعد الكتابة تمثل السند الوحيد للذاكرة إلا في وقت متأخر من العصر الوسيط الأوروبي مع نمو المجتمعات الوثائقية، والدواوين الأميرية ثم اختراع الطباعة وانتشار التعليم، حينئذ تقهقرت مكانة المروي.
وأهمية التاريخ المروي تتمثل في حفظ ذاكرة المجتمع ومن ثم الحفاظ على الروابط الاجتماعية التقليدية، لذا تولي السلطنة اهتماما كبيرا بالتاريخ المروي، لكونه جزءا لا يتجزأ من التاريخ المكتوب، وحتى لا يندثر جزء هام من تاريخ هذا البلد العريق.
الباحث عماد البحراني في العدد الجديد من "أشرعة" يعرض "تجربة وزارة التراث والثقافة في جمع وتوثيق ونشر التاريخ المروي".
يقصد الفن بحق غاية روحية عندما يحيّد المادة التي يستخدمها ويظهرها ضمن أفق صوفي وحدسي ويجعل من أدوارها أدوارا رمزية تحيل إلى ما يحصل في الداخل، فهي تستخدم كما لو أنها رجع صدى داخلي فهي لا تقول الشيء المادي بل هي توق إلى ذلك النابع من الداخل، توقظ لا مادية الشيء، تثير الحدس من خلال إعادة إنتاجها إنتاجا داخليا بما معناه البحث عن سياق جديد يضخم الصدى الداخلي ويظهر بعض الطاقات الروحية الخفية .
والفنان التجريدي عادة يلجأ إلى تحرير الأثر الفني من المحسوس وهذا شكل من أشكال إعطاء بعد روحي للمادة من خلال تلك الذات المنتجة بما هي مصدر الأشياء في الفن التجريدي وليست الطبيعة التي تمثل مادة بلا معنى لدى الفنان، حيث يغيّر مراجعها بالألوان والأشكال من خلال إعادتها إلى أصلها الذاتي والروحي.
وهذا بالضبط ما يحدث مع الفنان الأردني محمد العامري ـ كما جاء بقراءة الفنانة والناقدة التشكيلية التونسية دلال صماري في تجربته التشكيلية الموسومة بـ"الوصول إلى جوهر التّشكيل". حيث يصدر الأثر الفني عن ذاتيته عن موهبة وإبداع هو بالتالي يعكس حالة ذاتية لأنه في حقيقة الأمر تشكيل ذاتي لمعنى آخر