إنّ كتابة التاريخ انطلقت في بداياتها من المنطوق الشفهي، فكل تواريخ العالم كانت خلال نشأتها وفي أساسها شفوية منذ هيرودوت الذي ألف "التنقيب"، وتوسيديد صاحب "حرب البيلوبونيز"، مروراً بالإخباريين العرب الأوائل والوسيطيين الذي أقاموا سردهم على نحو واسع بناء على الشواهد الشفهية. ولم تعد الكتابة تمثل السند الوحيد للذاكرة إلا في وقت متأخر من العصر الوسيط الأوروبي مع نمو المجتمعات الوثائقية، والدواوين الأميرية ثم اختراع الطباعة وانتشار التعليم، حينئذ تقهقرت مكانة المروي.
وأهمية التاريخ المروي تتمثل في حفظ ذاكرة المجتمع ومن ثم الحفاظ على الروابط الاجتماعية التقليدية .
والسلطنة تولي اهتماماً كبيراً بالتاريخ المروي، لكونه جزءا لا يتجزأ من التاريخ المكتوب، وحتى لا يندثر جزء هام من تاريخ هذا البلد العريق.
فتوثيق التاريخ المروي العماني وجعله في أيد أمينة تقدمه للباحثين والدارسين بموضوعية ومصداقية هو الهدف والغاية التي من خلالها نفند كل من كتب في تاريخنا أو تناوله بشكل جانب المصداقية والموضوعية.
وسوف نستعرض في هذه الورقة الجهود التي بذلتها وزارة التراث والثقافة لتحقيق هذا الهدف، والمشاريع التي نفذتها منذ عام 2006م إلى العام الحالي 2014م في مجال التاريخ المروي، مع الإشارة الى أبرز المشاريع والرؤى المستقبلية في هذا الجانب.

أولاً: مشاريع جمع التاريخ المروي في محافظات وولايات السلطنة
يهدف هذا المشروع إلى جمع التاريخ من خلال الأفراد، الذين عاصروا موضوع البحث من خلال مشاهداتهم وممارساتهم، ومن المعلومات التي يتم جمعها من هؤلاء الرواة تكون لدينا مادة علمية حول موضوع الدراسة يتم إخضاعها لعمليات التنقيح من خلال مقارنة تلك الروايات بعضها ببعض ومقارنة المادة الشفهية بالوثائق والمصادر المطبوعة كالمخطوطات والقطع الأثرية وغيرها ذات العلاقة بتلكم الفترة.
المشروع يبدأ بتحديد فترة الدراسة وموضوعها ومن ثم يتم وضع تصور يتضمن محاور رئيسية للدراسة وتوضع حولها الأسئلة التي سيتم توجيهها للإخباريين وبعد ذلك تتم عمليات الجمع والتوثيق من خلال كادر بشري يضم العديد من الجامعين الذين ينزلون الميدان لجمع المادة من الرواة وذلك بواسطة اللقاءات المباشرة، ويخضع الجامعون لحلقات عمل تدريبية تتضمن طريقة إجراء المقابلة وجمع المعلومات من خلال الأسئلة المطروحة أو من خلال ما يستجد من معلومات أثناء المقابلة.
ويهدف المشروع إلى توثيق مختلف الموروثات الشعبية العمانية كالفنون الشعبية والعادات والتقاليد والاحتفالات المختلفة للمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية في المجتمع العماني، بالإضافة الى الحرف والصناعات التقليدية، والعمارة العمانية كشكل المسكن والمواد المستخدمة كالملابس والأواني وغيرها.

- المشاريع التي تم تنفيذها (من 2006م إلى 2014م)
1- مشروع جمع التاريخ المروي في ولاية سمائل وقريات 2006/ 2008م:
يعد هذا المشروع باكورة مشاريع الوزارة في هذا المجال وقد بدأ المشروع في هذه الولايات وروعي فيه اختلاف التضاريس والبيئة للولايتين، ولاية قريات ذات الطابع الساحلي وولاية سمائل ذات البيئة الريفية الجبلية.
هذا المشروع تم جمع المادة من خلاله في ثلاثة محاور تتعلق بدورة حياة الإنسان (الميلاد، الزواج، الموت) وقد عمل في المشروع حوالي 20 جامعا ميدانيا وجرى مقابلة حوالي 60 راويا من الولايتين من الجنسين وتمت طباعة عدد 4 إصدارات من المشروع هي:
- عادات وتقاليد الزواج في ولاية قريات.
- عادات وتقاليد الولادة في قريات.
- عادات الميلاد في سمائل.
- التاريخ المروي لعادات الموت في ولاية قريات.

2- مشروع جمع التاريخ المروي في ولايات الباطنة:
من المشاريع المتميزة التي قامت بها الوزارة في هذا المجال ، حيث تم اختيار أربع ولايات من ولايات محافظات الباطنة جنوب وزعت بين الولايات الساحلية والولايات الجبلية ووزع المشروع على هذا الأساس بين حجر الباطنة وساحل الباطنة، فمثلت ولايات المصنعة وبركاء ساحل الباطنة فيما مثلت ولايات نخل والرستاق حجر الباطنة، هذا التوزيع أعطى للمشروع التمييز في البيانات والمعلومات المجموعة وثراءا ضخما للمحاور الرئيسية التي تم العمل عليها وهي ثلاثة محاور (الفنون الشعبية، والمعتقد الشعبي، والآدب الشعبي).
هذا المشروع شهد مشاركة أكثر من 30 جامعا ميدانيا ومقابلة ما يفوق 100 راوٍ من مختلف الولايات التي شملها المشروع، وقد تم توزيع المادة على 6 أجزاء بمعدل جزءين لكل محور من المحاور الثلاثة، وهي في مراحل المراجعة لتتم طباعتها قريباً.

3- مشروع جمع التاريخ البحري لولاية صور:
عرف عن ولاية صور تاريخها البحري وعرف عن أهلها ارتيادهم للبحر منذ قديم الزمان فموقع الولاية على بحر عُمان وبحر العرب المفتوح على بحار العالم جعل من أهلها بحارة مغامرين جالوا وصالوا في مختلف بقاع العالم.
لذلك كان التوجه من قبل الوزارة لتنفيذ مشروع خصص للتاريخ البحري لهذه الولاية العريقة حيث شمل المشروع جمع الذاكرة البحرية لأهالي صور كالسفن والصناعات البحرية وخطوط الملاحة ومقاصد السفر البحري.
استغرق المشروع حوالي عام كامل من البحث والتوثيق والتدقيق، وتمت طباعته في كتاب احتوى على الكثير من البيانات والمعلومات القيمة حول التاريخ البحري لهذه الولاية كأسماء الربابنة ومقاصد السفر وأسماء السفن البحرية والبوصلة وأجزاء السفن وكل ما يتعلق بهذا المجال من خلال رواة المشروع الذين فاق عددهم العشرين راويا ومشاركة حوالي خمسة جامعين ميدانيين.

4- التعليم في نزوى:
لم تأت تسمية نزوى في فترة من فترات تاريخها بـ (بيضة الإسلام) أو (تخت ملك العرب) من فراغ وإنما مرده لأهميتها الثقافية والدينية فقد تخرج منها أئمة عدة ودرس فيها علماء عمانيون كثر، فكانت مركزا ثقافياً وفكرياً مهما، لعبت دورا كبيرا في إثراء الحضارة العمانية في كل جوانبها ليست ثقافية فقط بل شملت جميع جوانب الحياة منها الاقتصادية والاجتماعية.
الحديث عن هذه المدينة به الكثير من التفاصيل لذا باشرت الوزارة في تنفيذ مشروع جمع التاريخ المروي لهذه الولاية العريقة تناول الجانب التعليمي.
وشمل المشروع محاور أساسية تتلخص في النقاط التالية:
المدارس في نزوى.
أشهر من تخرج منها.
ارتباطها بالمدارس الأخرى في السلطنة.
وقسم المشروع إلى ثلاثة مراحل هي:-
الأولى: البحث الميداني وتم ذلك بواسطة الباحث الذي يقوم بالبحث عن المعلومات من خلال اللقاءات المباشرة مع الرواة والإخباريين والاستعانة بمجموعة من الجامعين لمساعدته في المشروع.
الثانية: صياغة المادة المجموعة علمياً وقراءة الوثائق والأدلة التي حصل عليها الباحث.
الثالثة: مرحلة طباعة الكتاب للمادة التي تم جمعها من خلال المشروع.
شارك بالمشروع عدد 5 جامعين ميدانيين بالإضافة الى مشرف ومساعد مشرف للمشروع وصدر مؤخراً ككتاب مطبوع احتوى على خمسة فصول.

5- مشروع الحياة الاقتصادية والاجتماعية لولاية مسقط (قيد الجمع والإعداد).
يتناول هذا المشروع تاريخ ولاية مسقط الاقتصادي والاجتماعي في فترة السبعينات والفترة التي سبقتها من الخمسينات والستينات من خلال الرواية الشفوية، ويسلط الضوء على أهمية مسقط التي تعد من الولايات المهمة في التاريخ العماني لما تزخر به من معالم تاريخية وأثرية ضاربة في عمق التاريخ، والتي تدل دلالة واضحة على عراقة هذه الولاية ودورها الحضاري على مر العصور، وتأثيرها المباشر على حياة المواطن العماني في الماضي والحاضر.
ويضم فريق العمل الباحث الرئيسي، ومساعدين وجامعي الرواية. ويهدف المشروع إلى الحفاظ على الهوية الوطنية العمانية من خلال التاريخ الشفوي الذي يعتبر أحد المكونات الثقافية للمجتمع العماني، وإلى ضرورة حفظه وتدوينه والتي باتت مسؤولية ملحة في الوقت الحاضر بسبب تناقص كبار السن بمرور الزمن.
وتقوم الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي بحيث يتم جمع الروايات وتحليلها، وتتمثل في مقابلة شريحة متعددة من كبار السن من الذكور والإناث، والذين لا تزال الروايات التاريخية في مخيلتهم، وسيتم تسجيلها بداية على مواد التسجيل، ثم لاحقاً ستنقل مكتوبة إلى البحث، والتواصل مع الناس وحثهم على تزويد فريق عمل المشروع بكافة الروايات الشفوية المتعلقة بولاية مسقط، ورصد حوافز مادية للتشجيع على المساهمة في البحث، وإجراء عملية التصنيف وإخراج البحث. ويتوقع أن يتم الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع في منتصف عام 2015م.

ثانياً: مشروع جمع مفردات التراث غير المادي:
تمتاز السلطنة بالثراء التاريخي والأثري في تراثها المادي وغير المادي، لذا تبنت الوزارة ممثلة في دائرة الفنون الشعبية مشروعاً لجمع التاريخ المروي من خلال التركيز على مفردات بعينها، حيث يتم اختيار مجموعة من مفردات التراث غير المادي العماني كالفنون الشعبية والحرف التقليدية المناسبات الاجتماعية وغيرها وبعد ذلك يعرض الموضوع على الباحثين للجمع حول تلك المفردة من خلال الناس العارفين بها.
ما يميز هذا المشروع هو المقاربة بين الروايات التي يتم الاستعانة بها من حملة العنصر وغيرها من البيانات التي تناولتها مصادر علمية أو يمكن استنتاجها من خلال القطع والشخوص الدالة على العنصر.
فالبحث في هذه الإصدارات يتم من خلال الروايات الشفهية لهذه المفردات بجانب المواد المطبوعة وبالتالي يتم التحقق من المعلومة من خلال المجالين.
وحقق هذا المشروع الأهداف التالية :
1- التركيز على مفردة بعينها وفر الجهد ونضد المعلومات بطريقة أفضل وأشمل لموضوع واحد.
2- الكتيبات التي تمت من خلال هذا المشروع وفرت مادة علمية متكاملة حول المفردة الواحدة وبالتالي تم استغلال تلك المادة في عملية إعداد الملفات الخاصة باليونسكو.
3- هذا المشروع تمت طباعة المادة باللغتين العربية والإنجليزية، وبالتالي ساهم في وصول المعلومة والتعريف بالتراث الثقافي العماني للأشخاص غير الناطقين باللغة العربية.

إصدارات المشروع:
صدرت للوزارة من خلال هذا المشروع (سلسلة إصدارات من مفردات التراث الثقافي غير العماني) العديد من الكتيبات هي:
- كتاب الخنجر العماني: تناول الكتاب الخنجر العماني بالبحث والتوثيق فبجانب المراجع والمصادر المدونة، تم الرجوع إلى مصادر شفهية لممارسين وصناع الخنجر العمانية، فكان الإصدار عبارة عن دليل مبسط اشتمل على فصول ضمت مواضيع تتعلق بأجزاء الخنجر ومراحل صناعتها والمواصفات والمقاييس للخنجر العماني، كما تناول الكتاب الهوية العمانية المتمثلة في الخنجر العماني والجهود الحكومية الرامية إلى المحافظة على الخنجر العمانية كمدلول ثقافي وحضاري لا ينفصل عن الشخصية العمانية، الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية.
- كتاب فن البرعة: هذا الكتاب صدر بمناسبة إدراج فن البرعة في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية واحتوى على كل ما يتعلق بهذا الفن من حيث المدلول اللغوي للاسم وطريقة أداء البرعة وأشهر المناطق في السلطنة التي يمارس فيها هذا الفن، بالإضافة إلى الفرق الأهلية المشهورة بممارسة البرعة، وقد صدر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية واحتوى على صور لفن البرعة.
- كتاب الميدان فن وشعر: الكتاب تناول التعريف بهذا الفن وسبب التسمية وأدواره وأدواته وقوانينه والمناسبات التي يقام فيها والمحافظات التي تشتهر به. الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية، واحتوى على قصائد من فن الميدان.
- كتاب العازي فن الفخر والشعر: تطرق الكتاب إلى التعريف بهذا الفن وطريقة أدائه وشعر العازي ونماذج من قصائد هذا الفن، الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية.
- كتاب الرزفة: هذا الكتاب يجمع أوراق العمل التي قدمت في حلقة الفنون الشعبية العمانية عن فن الرزفة والتي عقدت بولاية صحار في مارس 2014م، ويتطرق الكتاب إلى التعريف بفن الرزفة والمناسبات المرتبطة بأدائها والمناطق التي تشتهر بها، الكتاب صدر باللغتين العربية والإنجليزية.
وهناك كتابان قيد الطباعة عن مفردات التراث غير المادي في محافظة مسندم وهما:
1- كتاب (فن الرواح): الذي يعتبر من الفنون الجبلية الأكثر شهرة في المحافظة ، كونه فناً أصيلاً نابعاً من مسندم.
2- عصا (الجرز): عبارة عن رأس فأس صغير الحجم مثبته بعصاة طويلة، يعتز بها الرجل في محافظة مسندم ويفخر وهو يحمله بيده.
كما تم الانتهاء من مشروع أناشيد الطفولة، ومن خلال هذا المشروع تم التركيز على ذلك الإرث الجميل الذي تغرد به حناجر الأطفال في العديد من المناسبات المرتبطة بالمجتمع العماني ومنها:
1- نشيد التيمينة: وهو النشيد الذي يقال عند ختم القرآن الكريم.
2- نشيد المعلم: وهو نشيد يردده الأطفال عند الخروج من اليوم المدرسي في مدارس تحفيظ القرآن.
3/ نشيد التهلولة: وهو نشيد يردده الأطفال في ليالي عشر ذي الحجة.
هذه الأناشيد شملها هذا المشروع في جانبين:
الأول: البحث عنها وتوثيقها في إصدار مكتوب يتطرق الى كلماتها ومعانيها ويتضمن شرحا للمناسبات التي تقال فيها.
الثاني: إصدار سمعي من خلال قرص ممغنط يحتوي على إلقاء صوتي لهذه الأناشيد من خلال الأطفال وذلك بالتعاون مع شركات القطاع الخاص العاملة في مجال التسجيلات وإصدار الألبومات السمعية.

ثالثاً: دعم الكتاب والباحثين:
بجانب هذه الإصدارات وفي إطار دعم البحوث الشخصية للباحثين والكتاب فقد أصدرت الوزارة مجموعة من الإصدارات التي اعتمدت على توثيق الروايات الشفهية، ومن بين هذه الاصدارات:
- قصائد على فن المسبع: الكتاب أعده الشاعر خميس النعماني وهو يضم قصائد شعبية للشاعر ولغيره من الشعراء وذلك على نمط الفن الشعبي المعروف فن المسبع.
- التاريخ المروي المصان .. ولاية جعلان بني بوحسن نموذجاً: من الإصدارات التي اعتمدت على الرواية الشفهية والتاريخ المروي، وقد ضم الكتاب العديد من الأبواب التي تحكي تاريخ تلك الولاية، الكتاب من إعداد الباحثة أميرة الراجحية.
- من قصصنا الشعبية: تناول الإصدار جانبا من الحكايات الشعبية العمانية التي تتناقلها الألسن عبر الرواية الشفوية، الكتاب من إعداد الباحثة مريم العريمية.

رابعاً: حلقات عمل الفنون الشعبية:
تبنت وزارة التراث والثقافة إقامة حلقات عمل للفنون الشعبية العمانية وذلك من خلال تقديم الفن الشعبي في صورة ندوة وحلقات عمل يقدمها مجموعة من المتخصصين في أداء الفن، وقد حرصت الوزارة على التنويع في هذه الحلقات من حيث الفن والمنطقة فأقامت حلقة لفن العيالة في البريمي في حين أقيمت حلقة الرواح في محافظة مسندم وحلقة أخرى للفنون الحماسية في منطقة الباطنة بولاية صحار والفنون البحرية في ولاية صور، كما أقيمت حلقات لفن العازي في نزوى، وفن البرعة في محافظة ظفار.
هذه الحلقات تم فيها تقديم المعلومة الصحيحة حول أصل الفن وطريقة أدائه والآلات الموسيقية المصاحبة لذلك الفن وعدد الممارسين له.
والهدف من هذه الحلقات نقل المعلومة الصحيحة إلى الجيل الجديد الممارس للفن وهو ما يقود إلى المحافظة على هذا الفن عبر ضمان تناقله واستمراريته جيلاً بعد جيل.

خامساً: تسجيل مفردات التراث العماني غير المادي في القائمة العالمية للتراث غير المادي للإنسانية:
تعد السلطنة من أوائل الدول التي بادرت الى تسجيل مجموعة من مفردات التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسيكو، بعد مصادقتها على الاتفاقية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم 56/ 2005م.

حيث قدمت السلطنة عشر ملفات، تضم عدداً من المفردات، ونجحت في إدراج فن البرعة في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية كمفردة عمانية وذلك في عام 2010م ثم تبعه فن العازي في عام 2012م.
كما أدرج فن التغرود في عام 2012م كفن مشترك بين السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وخلال العام الحالي قدمت السلطنة ملفات جديدة لكي تدرج بالقائمة العالمية بالاشتراك مع دول مجلس التعاون الخليجـي وهي: الرزفة الحماسية والمجالس والقهوة العربية.

إن إدراج الملفات في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي يعتمد في الأساس على الاستفادة من خبرات الرواة الذين يحملون هذا العنصر، واستغلال المعرفة التراكمية لديهم من قبل الجامعين في اعداد ملفات الترشيح. حيث إن عملية التسجيل تتم من خلال جمع البيانات من ممارسي العنصر واطلاعهم على كافة التفاصيل المتعلقة به، ثم مشاركتهم في تنضيد حقول الاستمارة الخاصة بالتقييم وتسجيل شهاداتهم المباشرة.

سادساً: قوائم حصر التراث غير المادي:
تم إنشاء قوائم الحصر الوطنية في عام 2010م وذلك بمشاركة مختلف المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بهذا المجال كوزارة التراث والثقافة والهيئة العامة للصناعات الحرفية ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الشؤون الرياضية وجامعة السلطان قابوس بالإضافة الى إشراك مؤسسات المجتمع المدني كجمعية المرأة العمانية والنادي الثقافي والممارسين، وقد ضمت القائمة العديد من الأبواب منها الفنون الشعبية والحرف التقليدية والعادات والتقاليد والأكلات الشعبية والألعاب الشعبية والآلات الموسيقية وغيرها من مفردات التراث الثقافي العماني غير المادي، وقد تم جمع هذه القائمة ميدانياً من المجتمع العماني .
-أهداف القائمة الوطنية العمانية: 1- حصر وتصنيف جميع مفردات التراث الثقافي غير المادي العمانية بهدف صون هذا التراث ووضع آليات الحماية المناسبة لكل مفردة.
2- توثيق كل البيانات والمعلومات المتعلقة بمفردات التراث الثقافي غير المادي كل مفردة على حدة.
3- مراجعة كل ما تم نشره أو كتابته عن عناصر التراث الثقافي غير المادي.
4- وضع قاعدة بيانات إلكترونية تضم كل ما تم جمعه حول عناصر التراث الثقافي غير المادي.
- مشاركة المجتمع المحلي في تنفيذ قوائم الحصر العمانية من خلال التالي:-
أ- قيام مجموعة من الباحثين والمهتمين والممارسين من مختلف الجهات الحكومية والخاصة بجمع المعلومات والبيانات المتعلقة بقوائم الحصر الوطنية.
ب- إجراء لقاءات مع الممارسين لعناصر التراث الثقافي غير المادي وذلك لتقديم البيانات حول العنصر.
ج- مراجعة البيانات التي تم جمعها من خلال مجموعة من الباحثين والمهتمين والممارسين قبل إدخال البيانات في السجل النهائي.
وقد تم إعداد استمارة حصر مفردات التراث الثقافي غير المادي من خلال المنهجية المتبعة لدى اليونسكو في إعداد قوائم الجرد الوطنية وفق المادتين 11 و12 من الاتفاقية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي حيث تضمنت الاستمارة معلومات عن العنصر، ونطاقه الجغرافي، وحملة العنصر وحالته من حيث بقائه واستمراريته بالإضافة الى أسماء حملة العنصر وجامع البيانات وصور للعنصر .
وقد خضع الباحثون والمشاركون في عملية إعداد قوائم الحصر الوطنية لبرامج تدريبية في عملية جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالاستمارة وطريقة إجراء المقابلات وتعبئة البيانات.
اعتمدت قوائم الحصر الوطنية على المصادر الإخبارية الشفهية في جمع موادها، فتم توثيق البيانات الخاصة بأبواب القائمة من حملة العنصر بشكل مباشر.
مرت عملية جمع مادة القوائم بمرحلتين، هما:-
1- عرض ما تم جمعه من الكتب والأبحاث على الممارسين عن كل عنصر، من أجل مراجعة بياناته والتدقيق على ما ورد فيه وذلك من خلال المعلومات التي يدلي بها أفراد المجتمع الممارسين لمختلف عناصر التراث غير المادي.
2- توثيق العناصر بصورة مباشرة من خلال الإخباريين من أبناء المجتمع الذين يحملون عناصر التراث الثقافي غير المادي.

سابعاً: برامج الوزارة المستقبلية في مجال توثيق ونشر التاريخ المروي ومفردات التراث غير المادي:
تتبلور لدى وزارة التراث والثقافة مجموعة من الأفكار والبرامج التي تتطلع الى تنفيذها خلال الأعوام المقبلة والتي تتماشى مع خطط وبرامج الوزارة من جانب وتستشرف متطلبات ورغبات الباحثين والمهتمين من جانب آخر ومنها:-
1. تنظيم ندوة متخصصة حول التاريخ المروي وآليات جمعه وتوثيقه ونشره.
2. العمل على جمع التاريخ المروي لمجموعة من الشخصيات العمانية التي قدمت وساهمت في رفعة هذا البلد من خلال مسيرة حياتها الحافلة بالعطاء في مختلف المجالات.
3. التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والباحثين والمهتمين بهذا الجانب من خلال تكليفهم بأعمال متخصصة لجمع التاريخ المروي لمجموعة مفردات أو من خلال طباعة إصداراتهم في مجال التاريخ المروي الذي يتم جمعه من خلال البحوث الميدانية.
4. إصدار مجلة الكترونية فصلية (نصف سنوية) تعنى بالتراث الثقافي العماني غير المادي، وتساهم في توثيقه والتعريف به محلياً وخارجياً.
5. ترجمة بعض كتيبات سلسلة من مفردات التراث الثقافي غير المادي إلى عدة لغات عالمية غير الانجليزية كالفرنسية والألمانية والاسبانية والصينية.

الخلاصة

إن التاريخ المروي والمحافظة عليه من القضايا الهامة في حياة الشعوب ، والذاكرة العمانية تحتفظ بالكثير من مفردات هذا التاريخ، ووزارة التراث والثقافة تعمل جاهدة لحفظ هذا التراث، إما عن طريق دراسته دراسة أكاديمية بحثية، أو عن طريق توثيقه بكل الوسائل المتاحة، مما يضمن للأجيال القادمة التعرف على تاريخها العريق بشكل موضوعي ودون مبالغة أو تهويل، وهذا الأمر لن يتم إلا بتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية المعنية بالتراث غير المادي ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، حيث ان الحفاظ على التراث الثقافي واجب مشترك بين الحكومة والمواطن.

* ورقة عمل مقدمة إلى (الملتقى الرابع للجامعة العربية المفتوحة وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية "التاريخ العماني .. قراءات وتحليلات")

عماد بن جاسم البحراني
[email protected] باحث دراسات تاريخية ثاني بوزارة التراث والثقافة