تعد الحكم والأمثال والأحاديث عند العرب معرضا للبراعة اللغوية والبيان الفائق وقوة الملكة ، وهي تجيء على ضربين ، فمنها ما روي بأثناء الخطب والرسائل ، ومنها ما يأتي جوابا مرتجلا للسائل تقدمه القرائح دون روية ، وتنتجه الطبائع دون كلفة . قالوا : وأما ما يأتي منها ارتجالا ، ويرد جوابا أو سؤالا ، فنوع من الكام الشريف ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل ، وسالك هذا السبيل ؛ لأنه أيِّد بالحكمة ، وأوتي جوامع الكلم فجلّ عن أن يُرَوِّي كلاما ، أو يُعِدَّ لمقام مقالا . فمن ذلك أنه أتى رجل إليه فقال : يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ، ولا تكثر علي فأنسى . فقال رسول الله: لا تغضب ، فجمع جوامع خير الدنيا والآخرة . وسئل علي رضي الله عنه عن أعظم الذنوب فقال : أعظم الذنوب أصغرها عند أهلها . وتنقل العرب أنه قيل للأسكندر : ما بال تعظيمك لمؤدِّبك أشد من تعظيمك لأبيك ؟ فقال : لأن أبي سبب حياتي الفانية ومؤدِّبي سبب حياتي الباقية .
والأسلوب اللغوي للحكم البليغة يلوح بوجهين ، فمنها ما عقد بالسجع ، ومنها ما لم يعقد به . فأما ما لم يعقد بالسجع فكقوله صلى الله عليه وسلم : مَطْلُ الغني ظلم . وقوله : ترك الشر صدقة . وقول أبي بكر رضي الله عنه : ليس مع العزاء مصيبة. وقول علي رضي الله عنه : قيمة كل امرئ ما يحسن . ومن أمثال العرب : رضى الناس غاية لا تدرك .
وأما ما عقد بالسجع من الحكم والأحاديث فكقوله صلى الله عليه وسلم في مخاطبة الأنصار : إنكم لتكثرون عند الجزع وتقلون عند الطمع . ومن ذلك قوله : إن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف . ومن ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا . وعلى غرار ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : تفضل على من شئت فأنت أميره ، واستغن عمن شئت فأنت نظيره ، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره . ومن مثل ذلك قولهم : أبلغ العظات النظر إلى محل الأموات . وقولهم : رب صبابة غرست من لحظة ، ورب حرب نشبت من لفظة . وقولهم : جُبِلت الأفئدة على حب المحمدة .
ومن الحكم والأمثال ما تجيء في أسلوبها اللغوي على وجه التمثيل والتشبيه ، كقوله صلى الله عليه وسلم : الناس كأسنان المشط ، وإنما يتفاضلون بالعافية ، وقوله : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا . وكقوله : أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم ، ومنه " ومثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه ". ومثل ذلك قوله : " ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يحرقك نالك من شرره " . وقالوا: مثل أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ، ثم وقعوا منه ، فكان أبعدهم في المرقى أقربهم من التلف .

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]