تنقسم السيرة الذاتية إلى قسمين بينهما خط واضح من التباين والاختلاف ، من وجهة نظري، سيرة ذاتية عملية تعرض علينا خط سير الشخصية العملي ومؤهلاتها العلمية والخبرات الوظيفية وتدرجات الشخصية في المجال الوظيفي، وبها كل ما يتعلق بمنجزات الشخص العملية.
ومن البديهي أن تتسع تلك السيرة كلما تقدم الإنسان في العمر وزادت خبراته.
وسيرة ذاتية شخصية، هي تلك السيرة ذات التماس الخاص والمنمنمات الإنسانية التي تتواشج مع خصوصية الذات، وتسرد لنا العلائق الأسرية ، وعلاقات الذات مع الأصدقاء والمعارف المؤثرين في مجرى حياتها وفي فضاءاتها ، ويتسم هذا النوع من السيرة بكونها مشوقة وممتعة نظرا لارتباطها بالحس الانساني.
والسيرة الذاتية ليست كالغيرية ، فهي تكتب بلسان صاحبها لتأتي أكثر دقة وشمولا ، ولذا تمنيتُ أن تتحدث لميس الطائية عن ذاتها ، لكن إصرارها بترشيحي للتحدث عنها ، أخضعني للأمر ، ولعلني استطيع أن أفي بنقل صورة واضحة لملامح سيرة لميس ، خاصة وأن صاحبة السيرة صديقة مقربة ، وإذا أراد المرء أن يتحدث عن شخص متواجد بالإيجاب ، فإنك قد قطعت رقبته وفقا للتعبير المجازي الجميل الذي ورد على لسان عمر بن الخطاب لمن مدحه في وجهه ، لذا قيل في النقد الأدبي (المعاصرة حجاب) بمعنى أنه لا يستحب الكتابة عن الشخص وهو على قيد الحياة ، فكيف إذا كان المعاصر موجودا وصديقا للكاتب.
الخلاصة: أنني لم أجد في سيرة لميس العملية ، ما هو مختلف عن غيرها من السير ، ومع هذا لابد من التعريف المختصر جدا لسيرة غنية بالعطاء ، طويلة في أمدها .
والسؤال البدهي في السيرة يرتكز على من هي الذات الدائر حولها الحكي ، أي من هي لميس الطائي ؟!
الاسم : لميس بنت عبدالله بن محمد الطائي .
مواليد : مدينة مسقط ، سلطنة عمان
المؤهلات: ليسانس علم نفس واجتماع من جامعة عين شمس، بجمهورية مصر العربية سنة ١٩٧٣.م
دبلوم تمهيد الماجستير من جامعة نيويورك، بالولايات المتحدة الأميركة سنة ١٩٨٥م .
أهم الوظائف :
- نائبة مديرة الإدارة الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية المتحدة، فرع أبوظبي.
- نائبة رئيس تحرير مجلة "هي" الصادرة في أبوظبي.
- زوجة دبلوماسي وسفير عمان لمدة عشرين عاماً، في لندن، تونس، باكستان، جيبوتي، الكويت، والأمم المتحدة . (زوجة الدبلوماسي عادة هي الوجه الثاني لعمل السفير).
- رئيسة تحرير مجلة "العمانية" الصادرة عن جمعيات المرأة العمانية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بسلطنة عمان.
- مديرة دائرة الجمعيات النسائية الثقافية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بسلطنة عمان.
عضو مجلس الدولة العماني من سنة ١٩٩٧ الى سنة ٢٠١١.
عضو الاتحاد النسائي للسلام العالمي NGO ومقره في طوكيو.
مهتمة وباحثة في شؤون المرأة عامة والمرأة العمانية بوجه الخصوص.
شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات والمنتديات وحلقات العمل داخل وخارج السلطنة.
قدمت الكثير من أوراق العمل عبر المؤتمرات التي مثلت بلادها بها.
هذه خلاصة السيرة الذاتية العملية التي وردت في خمس صفحات مطولة، ولو تفرعتُ في قراءتها لأصبتم جميعا بالملل، فمثل هذه السيرة الجامدة ، لا تكاد تمثل لميس الطائي أكبر أبناء الأديب والشاعرعبدالله الطائي في جانبها الإنساني الثري، لذا فضلتُ قراءة سيرة لميس من خلال مسار وعطاءات عبدالله الطائي.
- لميس هي الرفيقة الصديقة الحبيبة الطاهية السكرتيرة الخاصة ، رفيقة والدها في مسيرته الثقافية السياسية العريضة ، هي الإبنة الكبرى التي عاصرت ولادة ما كتبه الطائي وهو على قيد الحياة مثل (الفجر الزاحف .. وملائكة الجبل الأخضر) وقد اسهمت في تنسيق الكتابين ، وإعادة خط بعض أجزائهما ، لعدم وضوح خط والدها ، قبل أن تقدمهما للمطبعة .
- لميس الرفيقة لمسيرة الأب الإبداعية حتى بعد وفاته وهي التي فكتْ خط والدها الذي لم يتمكن مازن أخوها ـ رحمه الله ـ من معرفة قراءته ليطبع ما تركه الوالد من إرث مخطوط ابتداء من الشراع الكبير وانتهاء بالمغلغل.
- لميس كاتمة أسرار والدها ، ومرتبة مكتبته ، وهي المشرفة حتى على تغذيته ، هذه الرفيقة التي سايرت حياته ننتظر منها كتابة سيرة ذاتية مفصلة عن رفقتها لشخصية عبدالله الطائي .
- عن طريق هذه الرفقة تعرفت لميس على كبار كتاب العصر وأدبائه ، مثل : عمر أبو ريشه ونزار قباني والبياتي صديق والدها وزميله ، ونازك الملائكة وفدوى طوقان ، والأبنودي وابراهيم العريض البحريني ، وعبد الرزاق البصير الشاعر الكويتي ، وغازي القصيبي السعودي ، وسعيد عقيل اللبناني ، ورياض الريس ، وسميح القاسم ومحمود درويش وبدر شاكر السياب وغيرهم ـ رحم الله الجميع ـ وبهذا تكون لميس قد عاشت ضمن أجواء كواكب مضيئة من المبدعين والمبدعات من خلال علاقات والدها بهم.
- ومن رفقتها له التقتْ لميس بأعلام السياسة آنذاك جمال عبدالناصر وأحمد حسن البكر والشيخ صباح الأحمد الصباح والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحم الله الجميع الأحياء والأموات منهم ـ.
- وعن طريق هذه الرفقة التقت لميس بفنانين مثل أم كلثوم ، وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ، وفايدة كامل التي كانت تؤدي الصوت النسائي في أوبريت صوت للنهضة نادى ، في المقطع القائل :
وأنا المرأة لي
في العيد لسانُ
يلهج بالشكر لما
أعطاني السلطان
بيتي ماعاد خواء
فيه البهجة ألوان
وأنا حاملة الراية
لي في بلدي معوانُ

وفايدة هي المحامية والمطربة الكبيرة التي كانت تلهب جماهير الثورة الناصرية بالحماس ، وزوجة السياسي النبوي اسماعيل وزير الداخلية الأسبق وعضوة مجلس الشعب المصري منذ 1971 م لعدة سنوات ، دخلت مجال الفن من باب الأغانى الوطنية ، فقد كانت بدايتها الفنية مع قيام ثورة 23 يوليو 1952م ، أثناء العدوان الثلاثى على بورسعيد ، وكان العدو الإسرائيلي يرسل طائراته تدك مصر ، والمصريون بإيمانهم وبصوت فايدة كامل يدافعون ، وتكرر الإذاعة بث أغنيتها الشهيرة (دع سمائي فسمائي محرقه / دع قناتي فقناتي مغرقه / واحذر الأرض فأرضي صاعقه / هذه أرضي أنا / وأبي ضحى هنا / وأبي قال لنا مزقوا أعداءنا .. دع سمائي) حتى ضج رئيس الوزراء البريطانى أيدن قائلا "اسكتوا هذا الصوت اللعين" وأعلن قائد جيوش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك أنه يرسل 21 طائرة لإسكات صوت فايدة كامل . فايدة كامل هذه التي تزلزل القلوب بصوتها قدمت الجزء الخاص بالمرأة في أوبريت (صوت للنهضة نادى) ، قدمته في غاية الهدوء ، وفي نبرة خفيضة وساكنة وشفيفة ، لدرجة أنني لم أتعرف على صوتها في أداء المقطع لولا شهادة لميس ، وهذا لا يعيب فايدة بل يوضح لنا قدراتها فإن الفنان الحقيقي يستطيع أن يعطي لكل مقام مقالا.
- ومن رفقة لميس للطائي التقتْ بالبطلة الجزائرية الأسطورة جميلة بو حريد وصديقتها المناضلة ، زهرة بو ظريف عند زيارتهما للكويت ، وكانت لميس آنذاك طالبة في الثالث الإعدادي ، وكعادة الآباء في افتخارهم بأولادهم النابهين ، قامت لميس بإلقاء قصيدة والدها الترحيبية بالمناضلتين في حفل وزارة الإرشاد والأنباء حيث كان الطائي يعمل آنذاك رئيسا لتحرير مجلة الكويت ، ومسؤول المطبوعات والنشر بالوزارة وكان عنوان القصيدة (جميلة بو حريد)
- ورفيقة أبيها تحتفظ ذاكرتها برسالة جاءت لوالدها تهنئة بالعيد من الشاعر العماني هلال بن بدر البوسعيدي ـ رحمه الله ـ وفي الرسالة صورة لمسقط فقال الطائي :

يامن يُعايدنا بصورةِ مسقطٍ
نكأتْ جرحا غائرَ الثغراتِ

- ولأنها الرفيقة شهدت ولادة القصيدة الشهيرة من ديوان وداعا أيها الليل الطويل (عندما تحدث خلفان) وهي القصيدة الجميلة التي كتبتُ أنا عنها أول دراسة أدبية نشرتْ لي بالصحف ، وحدث هذه القصيدة كان ملهما لعدد من الشعراء العمانيين لأن الحدث يجسد معاناة العماني متمثلا في خلفان قبل عصر النهضة، ويدور ملخص الحكاية حول مسرحية كويتية كانت تعرض على المسرح العربي أقدم المسارح الكويتية وخرجت شخصية خلفان في النص المسرحي.
- ورفيقة أبيها كانت معه في إحدى سفرات الأسرة ، حيث كانواعائدين من لبنان إلى سوريا، وسمع عبدالله الطائي في الأخبار خبرا سارا ينتظره جميع العمانيين ، عما حدث في عمان، وتولي السلطان قابوس بن سعيد ، مقاليد الحكم في البلاد عوضا عن أبيه ،هنا أوقف الأب سيارته جانبا ، وقال للميس أكتبي :

صوتٌ للنهضة نادي
هبوا جمعا وفرادى
قابوس للمجد تبادى
فابنوا معه الأمجادا
يا أبناء عمان يا
أبناء عمان الأجوادا

كتبتْ لميس ، وطوى الطائي الورقة ليكملها فيما بعد في أبوظبي ، ومن خلال رفقتها لعبدالله الطائي وقفت لميس معه في جامعة الدول العربية وعلم عُمان يرفع لأول مرة هناك ، وبعد سنة وقفت لميس مرة أخرى مع عبدالله الطائي لتشهد رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة في المكان نفسه .
هذه هي لميس الطائي التي أرجو ان تواصل مسيرة الطائي ومازن وتكتب سيرة حياتها الثقافية من خلال مسيرة عبدالله الطائي وهي بلا شك سيرة غنية جدا ، لم أتوقف هنا إلا عند القليل منها .

ورقة ألقيت في فعالية (مساءات ثقافية) التي احتفت بأوائل مبدعي عائلة الطائي الأسبوع الماضي.

د.سعيدة بنت خاطر الفارسية