[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” لو أن كاتبا أو شاعرا أو إعلاميا أو ممثلا سينيمائيا أو سياسيا ما, في زاوية نائية من بقاع العالم, دعا إلى إبادة اليهود مثلا, لقامت الدنيا ولم تقعد! في أوروبا جرى سن قانون يسمى بـ " قانون غيسو" يمنع بموجبه: مجرد التشكيك( وليس الإنكار) بالرواية الصهيونية لـ "الهولوكوست", تحت طائلة العقوبات والسجن سنوات طويلة!.”
ـــــــــــــــــــــــــ
لم أجدني حائرا أمام مقالة سأكتبها كما أنا أمام هذه المقالة: عن سعيد عقل!. الحيرة مصدرها السؤال: هل يجوز الفصل بين الشاعر والسياسي؟ إن كنا سنحاكم سعيد عقل من خلال رؤيته السياسية فقط, فيتوجب إعدامه مرات ومرات, فهو يقع على يمين العدو الصهيوني, وهو أقبح سياسيا من هتلر وموسوليني, ومتوحش أكثر من هولاكو! شعاره الأساسي كان: "ليقتل كل لبناني فلسطينيا", وهو الذي أيّد إسرائيل في اجتياحها لبلده لبنان عام 1982 من أجل إبادة الفلسطينيين!. وإن كنا سنحاكمه كشاعر بعيدا عن سقوطه السياسي, فهذا لا يجوز. الأمران متداخلان ولا يجوز الفصل بينهما!.
الموقف الأبشع له: تأييده العلني لمجازر صبرا وشاتيلا ... تصوروا!؟ سعيد عقل رأى: أن لبنان " الفينيقي" هو محور العالم, وأنه البلد الأبرز في التاريخ البشري. كان يكره العرب حتى نخاعه. دعا إلى قومية لبنانية خاصة بديلة عن العربية! دعا إلى لغة لبنانية بحروف لاتينية! هذا غيض من فيض من آراء سعيد عقل, فهل يمكن أن لا يتأثر تقييم شعره دون التطرق إلى مفاهيمه السياسية؟ بالضرورة يتوجب أن يتأثر كل تقييم لإنتاج سعيد عقل بوجهات نظره.
من زاوية ثانية: لم أر أو أسمع عن إنسان في حياتي يتحول إلى النقيض في آرائه مثل سعيد عقل!. انتسب في شبابه إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي وكان عروبيا, وهذه خلفية قصائده فيما بعد, عن سوريا. كتب قصائد جميلة لسوريا ولدمشق منها: قرأت مجدك, شام يا ذا السيف. كتب لفلسطين (للقدس تحديدا) قصيدة "زهرة المدائن" وفيها يقول: تعانق الكنائس القديمة ... وتمسح الحزن عن المساجد, أي أنه آمن بالأخوة الإسلامية – المسيحية. فيها ايضا يكتب بشاعرية عن تحرير القدس بالقوة, ويقول : الغضب الساطع آت ... بجياد الرهبة آت .... وسنهزم وجه القوة ... وبأيدينا سنعيد بهاء القدس ....بأيدينا للقدس سلام. كتب الشاعر هذه القصيدة بعد حرب عام 1967.
عرفت سعيد عقل من خلال هذه القصيدة, خاصة بعد أن غنتها فيروز ... وبالفعل: بدأت أتابع أشعاره: للحب , للمرأة وغيرهما من المواضيع الإنسانية. كتب عقل قصيدة " غنيت مكة " وهي من أجمل القصائد عن المدن. غنى لبيروت وللعديد من العواصم والبلدان العربية: لعمان وللأردن وغيرهما. سعيد عقل يقول عن نفسه: أنه "شاعر المعرفة". للحقيقة: سعيد عقل: شاعر تجديدي في العربية, في شعره فن, فلسفة, علم ومعرفة, فيه لاهوت. استطاع أن يشكل أجمل المعاني الصعبة ويقولبها في قصائد غنائية أبدعتها فيروز, مما زاد في انتشار هذه القصائد وترديدها على الألسنة.
سعيد عقل هو رمز لتيار سياسي لبناني ما زال يعيش حتى اللحظة, يمثله: حراس الأرز والقوات اللبنانية. اذكر في عام 1982 وأثناء الحصار الصهيوني لبيروت (وقد عشت تفاصيله بكاملها) كيف كان اللبنايون والفلسطينيون والمهجّرون من الجنوب .. يعيشون القصف البري والبحري والجوي المتواصل, من قبل قوات الاحتلال الصهيوني للبنان ذاك العام, للشطر الغربي من بيروت, وسط القتل والتدمير وهدم الأبنية على سكانها! وسط العطش وندرة المياه, وقلة المواد التموينية. شاهدت ( لكوني مسؤولا عن مركز طبي للجرحى, وفي ذات المبنى تجمّع آلاف المهجّرين) الرعب في عيون الاطفال, عذابات الجرحى, إصابات لا تعد ولا تحصى من إصابات قطع الأيدي والأرجل ,وحروق الأوجه ,وغيرها من الآلام والمعاناة الإنسانية الفائقة!.
في ذات الوقت .. كان شارون يستقبل في الجزء الشرقي من بيروت, يستقبله قادة "الكتائب اللبنانية", يدقّون معه الكؤوس, ويقيمون له الولائم. احتفاء بقتل الفلسطينيين واللبنانيين! ما أصعب ذلك!. في ذات الوقت, جاء تأييد سعيد عقل للكيان الصهيوني وعدوانه وحصاره لبيوت, ومطالبته إسرائيل: بقتل المزيد من الفلسطينيين ... تصوروا!.
لو أن كاتبا أو شاعراأو إعلاميا أو ممثلا سينيمائيا أو سياسيا ما, في زاوية نائية من بقاع العالم, دعا إلى إبادة اليهود مثلا, لقامت الدنيا ولم تقعد! في أوروبا جرى سن قانون يسمى بـ " قانون غيسو" يمنع بموجبه: مجرد التشكيك( وليس الإنكار) بالرواية الصهيونية لـ "الهولوكوست", تحت طائلة العقوبات والسجن سنوات طويلة!. في أوروبا وأميركا وغيرهما, في العديد من دول العالم يجري طرد كل من ينتقد إسرائيل من منصبه! وتجري محاصرته ماليا وماديا, وإن كان كاتبا أو أديبا أو صحافيا, يمنع نشر إبداعاته ونتاجه. يجري الامتناع عن توظيفه. يجري إغلاق أبواب العمل أمامه. تجري محاصرته. البعض من كتابانا وإعلاميينا ومثقفينا يغفرون لسعيد عقل: كل سقطاته السياسية, ودعوته لإبادة الفلسطينيين, والقومية العربية!. أيجوز ذلك!؟ . تناولوا سعيد عقل ... على حقيقته.