[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” ان التلاحم الوطني يجب ان يكون عنوان مرحلتنا الراهنة في مواجهة تقارع قوى الإرهاب والتطرف والتعصب التي استغلت الظروف الدولية التي تمر بها كل دول العالم اليوم بلا استثناء، وفي وقت تشتد فيه الضغوط على بلداننا العربية والخليجية خصوصا وتكثر فيه المؤامرات التي تعمل على تفكيك وحدتها الوطنية لتكون بعد ذلك فريسة سهلة لأطماع الطامعين من المغالين والمتطرفين والقتلة والمجرمين..”
ــــــــــ
إن فصل الحديث في القيم، قصد التصدي للهجمات الهادفة للنيل من مقوماتنا الإسلامية بوجه عام والوطنية العمانية بوجه خاص، ولتعزيز الدور الحضاري والإنساني الذي نمثله كمسلمين أولا وعمانيين بعد ذلك في هذا العالم الذي يمتلئ ويتزاحم بالمتغيرات والتحديات الحضارية، ونحـن حين نتحدث في عالم اليوم عن منظومة القيم، فإننا نمس مباشرة جوهر الإنسان من جهة، ومجال التدافع الحضاري الحقيقي من جهة ثانية.
فللقيم ( أهمية عظيمة في حياة الأوطان والمجتمعات بكل أطرافها، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقى والأمان، ويحظى بالاحترام والنهضة في آنٍ واحد، وما ذلك إلا من ثمار هذه القيم، سواء كانت ما يُعرف منها بالعليا: كالحق أو ما يُعرف من القيم الحضارية: كالشورى والمساواة والعمل والتعاون، والتي تكشف عن مدى تقدم الأوطان، وتضبط سلوك أبنائها، سواء كانوا حكامًا أو محكومين، أنظمةً أو شعوبًا، حكوماتٍ أو مواطنين، فالتزام كل هذه الأطراف بالتعاون والوحدة، يجعل الوطن متماسكًا قويًّا، تنتشر في ربوعه علامات الأمن، وتتمكن في جنباته آيات السلام).
والقيم وإن كان بعضها فطرة فطرنا وتربينا عليها في مجتمعنا العماني منذ الصغر، الا أنها تحتاج بكل تأكيد الى ترسيخ ومداومة وتعزيز، وفي هذا السياق يقول د. سيف بن ناصر المعمري وهو يصف قيمة الولاء الوطني ان:” الولاء الوطني ليس هبة من السماء ، لكنه قيمة تحتاج إلى بناء داخل الإنسان، ليس عنوة ولا تلقينًا لكن من خلال منهجية تستند على مواطنة حقيقية تقوم على العدالة والمساواة والمحاسبة، والرقابة، وتقوم أيضاً على تقديم النماذج المشرقة في تجسيد الولاء الوطني.. ماضياً وحاضراً”. ومن ذلك يمكن ان نعكس الحاجة الى التدريب والتأهيل والتوعية والمنهجية في تقديم وترسيخ قيمنا الوطنية وعلى رأسها التلاحم الوطني في البيئة الوطنية.
ومن أبرز تلك القيم وأهمها في البيئة الوطنية العمانية على سبيل المثال لا الحصر من وجهة نظري الشخصية، قيم: التسامح والتعايش الديني بين الأديان والطوائف والمذاهب ، وتقبل الرأي، والرأي الآخر، والولاء والانتماء للأرض والوطن والقيادة وقيمة التآخي والحب والمساواة والعدالة الوطنية ، والتواصل الدائم بين مكونات البناء الوطني من اجل المصلحة الوطنية ،وتوطيد الثقة بين مؤسسات الدولة وأبناء هذا الوطن.
وعندما نتحدث عن القيم وحاجتنا إليها ، فإن ذلك لا يعني افتقادها او نضوبها او تراجعها، فلله الحمد ان هذا الوطن يزخر بالعديد من القيم الإسلامية أولا والعمانية الأصيلة من الشمال الى الجنوب، وهي قيم عربية أصيلة:(جعلت العمانيين على قلّتهم يأسرون قلوب الناس وعقولهم وينشرون الإسلام شرقا في الصين وغربا في سواحل أفريقيا وأعماق قارتها، وهم أول سفراء العرب إلى العالم الجديد في أميركا الشمالية، إنها القيم العمانية التي تجعل العمانيين محلّ إشادة وتقدير كلّ من عرفهم واحتك بهم باعتبارهم أناسا يتميزون بالسماحة والصدق والكرم وحسن الأخلاق واحترام الآخر).
ولكننا نفهم وندرك ان القيم الوطنية باختلافها هي نوع من العقيدة السياسية المشتركة ، والتي يؤدي افتقارها او تراجعها وضعفها في أي مجتمع الى تدهور الأمة الوطنية بأسرها بداية من الفرد وانتهاء بالمجتمع والأمة الوطنية ، ( فأي مجتمع من المجتمعات اذا ما افتقر الى العقيدة المشتركة فانه لا يزدهر ، وان المجتمع الذي تنقصه العقيدة المشتركة لا يمكن ان يكون قائما) . ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة الى تعزيز مفـــهوم الكثير من القيم الفاضلة الكريمة في مجتمعنا العماني وفــي امتنا الوطـنية ، وخصوصا تلك القيم الوطنية العليا ، فالقيم هي الحياة ، والقيم هي الأثر والتأثير والبصمة الوطنية التي نتركها كعمانيين مسلمين ومن ثم كعمانيين يجمعنا حب تراب هذه الأرض الغالية، والولاء والعرفان لقيادتها الحكيمة، ومحبة كل فرد من أبناء هذا الوطن العزيز في هذا العالم اليوم وفي المستقبل.
اذا فنحن بأمس الحاجة في هذا الوقت العصيب من تاريخ امتنا الإسلامية ومن ثم امتنا العربية لترسيخ مفهوم القيم بوجه عام وقيمة التلاحم الوطني في امتنا الوطنية خصوصا، وذلك للأسباب التالية، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
* ان القيم حياة للأمم العظيمة: فالأمة التي لا تملك في حياتها قيما ومبادئ كريمة فاضلة هي أمة ميتة وستتلاشى سريعا في سفر التاريخ، فالقيم حياة بالنسبة للأمم العظيمة، ولنا في امتنا الإسلامية منهج في ذلك، فهي أم القيم الفاضلة، ومنها نستمد أعظم قيم الحق والخير والجمال في حركاتنا وسكناتنا، ولهذا فنحن بحاجة للقيم والمبادئ الكريمة الفاضلة في حياة امتنا الوطنية، تكون لنا منهج حياة في الحاضر وبصمة نتركها لأجيالنا في المستقبل، فالقيم ( هي أعظم رصيد تراكم لدى المجتمع ينتقل من جيل إلى جيل باعتبارها تختزل رصيد الحكمة الإنسانية ورصيد الخبرة البشرية الإنسانية سواء تأتى لها عبرة هداية الوحي أو عبر الحكمة الفلسفية والتجربة الإنسانية التاريخية).
* ان قيمة التلاحم الوطني هي اعلي واسمى مراتب عقيدتنا السياسية في هذا الوطن ، ومن ثم انه مورد وحدتنا الوطنية وترابط أبناء هذا الوطن ، والذي هو سبب رئيسي لأمننا واستقرارنا في هذا الوطن العزيز .
* ان التلاحم الوطني يجب ان يكون عنوان مرحلتنا الراهنة في مواجهة تقارع قوى الإرهاب والتطرف والتعصب التي استغلت الظروف الدولية التي تمر بها كل دول العالم اليوم بلا استثناء ، وفي وقت تشتد فيه الضغوط على بلداننا العربية والخليجية خصوصا وتكثر فيه المؤامرات التي تعمل على تفكيك وحدتها الوطنية لتكون بعد ذلك فريسة سهلة لأطماع الطامعين من المغالين والمتطرفين والقتلة والمجرمين الذين لا يرقُبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، في هذا الوقت العصيب الذي تشتد فيه الحاجة إلى سماع صوت العقل الذي لم تتغلب عليه الأهواء والذوات والذي يدعو إلى وحدة بلدنا ورص صفوفه في وجه رياح الفتن والمؤامرات حتى نتمكن من مواصلة بناء وطننا ومؤسساتنا وأمننا واستقرارنا لنعيش حياة حرة كريمة بين الشعوب والأمم.
وهنا نتطرق الى أهم وابرز المشاريع التي تعزز قيم التلاحم الوطني في المجتمع والبيئة الوطنية العمانية ، من وجهة نظرنا هي:
ـ دعم المشاريع التنموية بكل أشكالها واتجاهاتها السياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والخ ، والتي تهدف إلى ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية والتسامح.
ـ إصدار الأنظمة والقوانين التي تدعو إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية ومبادئ الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع سواء كانوا مواطنين او وافدين.
ـ دعم الأنشطة التي يشارك فيها كل أفراد المجتمع وخصوصا الشباب والناشئة ، والتي تهدف أولا الى احتضانهم بعيدا عن كل أشكال الغربة الوطنية ، ومن ثم تهدف إلى ترسيخ مفاهيم الحوار والنقاش واحترام وتقبل الرأي الآخر ، والتشاور بين كل الفاعلين في الحياة الوطنية.
ـ زيادة جرعة مادة التربية الوطنية والمواد التي تدعم وترسخ المبادئ الفاضلة الكريمة والقيم العمانية الأصيلة بكل أشكالها في مختلف المراحل التعليمية والدراسية.
ـ دعم العادات والثقافات والتقاليد الوطنية في مواجهة العادات والتقاليد الوافدة والتي قد لا يتلاءم بعضها مع الثقافة الإسلامية والعربية والثقافة العمانية الأصيلة التي أنتجت تجربة وحدوية متميزة بكل المقاييس.
ـ دعم مبدأ الشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة وأفراد المجتمع بما يعزز مبادئ وقيم التلاحم الوطني .
ـ ( تعميق مفهوم الأسرة وإحياء قيم التكافل الاجتماعي والشراكة المجتمعية وتمكين المرأة وحماية الطفل وكبار السن وتعبئة الطاقات الوطنية الشابة والمحافظة على التواصل بين الأجيال وضبط مؤسسات التنشئة والتثقيف والإعلام وتقدير كل ما يؤدي إلى تعميق مبادئ الاعتدال والوسطية والسلم الاجتماعي ومباركة كل فعل غايته إعادة تشغيل القدرات البشرية المعطلة ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة ).
ـ دعم إصدار المطبوعات التوعوية في مجال ترسيخ وتوثيق الشخصيات الوطنية والمواقف الرائدة في نشر مفاهيم التلاحم الوطني.
ملاحظة: هذا المقال مختصر عن ورقتي البحثية ذات نفس العنوان والتي قدمت بندوة الدور التاريخي والحضاري العماني التي أقيمت في مكتبة الندوة العامة بولاية بهلا بمحافظة الداخلية تزامنا مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني الرابع والأربعين بتاريخ 21/11/2014م ، مع الإشارة إلى ان الأوراق البحثية التي ألقيت في هذه الندوة ستصدر بإذن الله في كتاب عن المكتبة خلال الفترة القادمة.