[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2019/10/kotaity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس بن عبيد القطيطي[/author]
ما تعرضت له سوريا خلال السنوات العشر الماضية من شدة ومحنة لم يتعرض لها أي بلد عربي آخر، وسوف تكمل الأزمة في سوريا عقدها الأول في شهر مارس المقبل، معلنة صمود مثلثها الوطني المقاوم قيادة وشعبا وجيشا، فما كان يطلقه الإعلام المعادي من مانشيتات واهمة ومغرضة حول سقوط الدولة السورية خلال بضعة أسابيع لم يتحقق بفضل الله، وما منحه لهذا الوطن من قوة إرادة وثبات على الحق والمبدأ في مواجهة أكبر وأخطر مؤامرة عبر تاريخ الوطن العربي الحديث، وقد استثمرت الدولة السورية ووظفت كل عناصر وأدوات إدارة الأزمة وخطوط تأثيرها ومركز ثقلها فاستطاعت بفضل احترافية إدارتها تحقيق النجاح في مواجهة مخططات الأعداء، ولم يعد ذلك خافيا على أحد حتى في عقر دار أولئك القادمين من وراء البحار، بل إن الدولة السورية استطاعت أن تخندق الحلفاء في خندقها سياسيا وعسكريا فامتزجت الدماء السورية بدماء الحلفاء الذين قدر لهم دفع تكاليف مماثلة، وما كان لأي حليف آخر أن يصمد أيضا لولا الارتباط العضوي مع الدولة السورية وتشابك المصالح، وهو ما حقق تلك المعادلة بنجاح. لذلك لا يمكن بعد هذه السنوات العشر أن تفرط الدولة السورية وحلفاؤها فيما تحقق من نجاح في إدارة هذه الأزمة ومواجهة المؤامرة الكونية، في صمود أسطوري أكده الواقع على أرض الميدان. فهنيئا لسوريا ما تحقق من نجاح رغم الآلام والدماء والمعاناة التي عاشها أبناء سوريا وما زالت توابعها قائمة ومستمرة حتى اليوم، فقد كان البديل الذي يأمل فيه أعداء سوريا نشر الفوضى الخلاقة وعدم استقرار سوريا ردحا من الزمن؛ لتبقى خارج سياقات الدولة الوطنية، ولكن الحمدلله أن مكَّن سوريا من المقاومة والصمود.
اليوم سوريا أمام مرحلة جديدة تختلف جزئيا عما سبقها، وهذه المرحلة بدأت أولى محطاتها العام الماضي بتفعيل قانون قيصر والعقوبات المفروضة على سوريا، قابلها بالجانب الآخر حوار سوريا واحتضان الدولة السورية لآلاف اللاجئين، وهي مرحلة مهمة فارقة في مسألة استكمال معالجة الأزمة والتي لم تتوقف منذ مارس ٢٠١١م، والمرحلة الآنية ـ بلا شك ـ بحاجة إلى جهود كبيرة في إعادة أبناء سوريا إلى ديارهم ومناطقهم التي فرض عليهم مغادرتها في ظروف الأزمة والحرب الدائرة طوال السنوات العشر الماضية؛ لذا ينبغي أن تمضي عجلة الحوار بشكل أكثر اتساعا دون توقف لاستيعاب المزيد من أبناء الوطن السوري.
الجانب الاقتصادي أيضا هو الأكثر إلحاحا في هذه المرحلة؛ باعتبارها مرحلة اقتصادية بامتياز، لا سيما في ظل وجود ما يسمى قانون قيصر الذي أريد له أن يكون معوقا ومؤخرا لنهاية الأزمة وذلك بعد النجاحات الميدانية والانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري، ولعرقلة نجاحات الحوار السوري وعودة اللاجئين لإطالة أمد الأزمة، وبالتالي فإن هذا العائق الاقتصادي يتطلب انفتاحا اقتصاديا مع الحلفاء أولا ومع بقية دول العالم التي يمكن أن تشترك في مصالح اقتصادية مع الدولة السورية لتعزيز وضعها الاقتصادي في إطار إعادة إعمار سوريا ومواجهة قانون قيصر. وهنا يتبلور أهمية الدور الروسي الذي يعول عليه في إنعاش هذه المرحلة المهمة وإشراك الأسرة الدولية في إعادة الإعمار، وهنا تبرز أهمية تغيير الأولويات أو تزامنها؛ لأن مواجهة بقايا جيوب الميليشيات المنتشرة في شمال شرق سوريا بما تحمل من أهمية نوعية تتطلب المعالجة السياسية والعسكرية، إلا أنها لا بد أن تتزامن مع إعادة الإعمار ومعالجة الحالة الاقتصادية لربط سوريا مع العالم الخارجي اقتصاديا من أجل تخفيف معاناة أبناء الشعب السوري الذي يتضرر جراء ما يسمى قانون قيصر، وهذا بالتزامن مع الحوار السوري، ولا شك أن الدولة السورية ماضية في هذا المسار وتدرك ضروراته العاجلة.
الدائرة العربية التي أدرك غالبية شعوبها وحكوماتها مدى تقدم الخط البياني السوري في معالجة الأزمة ووصولها إلى مرحلتها الأخيرة، بات على هذه الدائرة العربية أن تكون أكثر براجماتيا وجزءا من الحل لمساندة الأشقاء من أبناء الشعب السوري، والتباحث مع الدولة السورية في سبيل الارتباط بالاقتصاد السوري، وإعادة مد الجسور العربية والمشاركة في إعادة إعمار سوريا وتدعيم اقتصادها، فيكفي ما عاشه الشعب السوري من معاناة طوال السنوات العشر الماضية.
الأزمة السورية سياسيا وعسكريا تجاوزت كل العقبات والمحطات، وتجاوزت كل الحملات الإعلامية، واليوم أصبحت مسألة الاقتصاد وإعادة الإعمار ذات أهمية فائقة لتخطي هذه العقبة التي تتطلب حلولا أكثر إبداعية وبمشاركة المجتمع الدولي وتداخل مصالح دول الجوار العربي، ويعول على الدور الروسي ـ كما أسلفنا ـ أهميته في مساعدة سوريا على التخلص من العقوبات المفروضة، وتشجيع الاستثمار ومشاركة الاقتصادات الكبرى مثل الصين وغيرها في تنشيط الاقتصاد السوري، والحث على مؤتمرات لإعادة الإعمار خلال المرحلة المقبلة، كما ينبغي مواصلة وتوسيع الحوار مع أبناء الشعب السوري، وهو ما يمثل أحد خطوط التأثير المهمة في معالجة الأزمة التي نعتقد أنها باتت قريبا من تسجيل نهايتها وتحقيق انتصارها النهائي بعون الله.