” منذ البداية كان المرء يستنتج، على استحياء، أن دولة داعش الارهابية في العراق وسوريا انما هي مقابل مطلوب لدولة يهودية في فلسطين المحتلة. أما الآن والسياسة الاسرائيلية الداخلية تكشف عن كل قاذوراتها في حملة انتخابية ستستمر من الآن حتى 17 مارس 2015 فلا داعي للاستنتاج، بل يمكن لكل ذي عين أن يرى داعش واضحة جلية في فلسطين المحتلة.”
ـــــــــــــــــــــــــــ

منذ أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انتخابات مبكرة منتصف مارس المقبل والتحليلات حول السياسة الداخلية الاسرائيلية تتصاعد في كافة وسائل الإعلام. ويستمد "الخبراء" والكتاب مادتهم من تصريحات للسياسيين الاسرائيليين من مختلف أطياف الكيان الصهيوني لتعزيز حججهم وآرائهم. وفيما تسعى المعارضة، ممثلة بحزب العمل الذي يتجه نحو يسار الوسط، لملمة الصفوف وربما حتى التحالف مع يمين الوسط للعودة إلى السلطة بعد سنوات من حكم الليكود تبدو قوى اليمين واليمين المتطرف واثقة من تشكيلها للحكومة الاسرائيلية المقبلة. وربما تتفق المعارضة مع اليمين المتطرف في هدف ابعاد نتنياهو عن تشكيل الحكومة المقبلة. لكن ذلك سيكون لصالح المزيد من اليمين، بعيدا عن الوسط وباتجاه التشدد إلى حد التطرف.
تلك التطورات تحدث وسط طموح وزير خارجيته لفترة طويلة افيغدور ليبرمان للمنصب الأعلى في هيكل سلطة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. ويلبي ليبرمان، الذي يقود حزبا متشددا أغلبه من المهاجرين الروس إلى فلسطين، حالة متصاعدة في الكيان الصهيوني تتسم بالتطرف والعنصرية. وبغض النظر عن طبيعة حزبه وتوجهه، فليبرمان نفسه شخصية تتجسد فيها ملامح كثيرة مما يتصف به الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي في فلسطين. فهو مجرم دخل السياسة بنفس المنطق، مهاجرا من احدى دول الاتحاد السوفيتي السابق ومتهم في جريمة جنائية وقتما كان يعمل "بلطجيا" في ملهى ليلي بعد هجرته إلى فلسطين، ثم في قضايا فساد مالي ورشوة وغسيل اموال قبل سنوات قليلة.
اضطر نتنياهو للدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد انفراط عقد تحالفاته مع اليمين المتطرف بعد اقرار قانون "يهودية" الدولة الاسرائيلية في فلسطين المحتلة. ولم يقنع المتطرفون من حلفاء الليكود بالإجراءات التي يمكن ان يتخذها نتنياهو لتنفيذ مطلب "يهودية الدولة"، رغم تفعيل اجراءات كفيلة بحرمان سكان القدس العرب من هوياتهم واقامتهم وغيرها من الاجراءات العنصرية المضمنة في القوانين الاسرائيلية بحق العرب في فلسطين 1948 والتي تجعلهم ليس فقط مواطنين من الدرجة الثانية بل تكاد تسلب كل حقوق المواطنة الخاصة بهم. هؤلاء المغالون في العنصرية يستهدفون "تطهيرا عرقيا" لا يقل عما يقول الصهاينة إن هتلر النازي فعله باليهود نهاية النصف الأول من القرن الماضي. ولن يجد هؤلاء المتطرفون العنصريون أفضل من ليبرمان يشكل حكومة يشاركون فيها.
لن يجد المرء صعوبة كبيرة في تعداد أوجه الشبه بين هذا التوجه اليميني المتطرف لإسرائيل في ظل يهودية الدولة وبين ما أعلنه متطرفون إسلاميون من دولة للخلافة في أجزاء من سوريا والعراق. بل ربما يصعب أن تجد أي اختلاف سوى تغيير وصف دينية الدولة ما بين "يهودية" و"إسلامية". ولا يمكن القول إن ذلك يقتصر فقط على السياسيين أو قيادات المجتمع الصهيوني، بل إنه توجه يسم الجميع في كيان الاحتلال. ولم ينس الناس بعد مشاهد شباب الصهاينة وهم يحتفلون على ضوء قذائف جيش الاحتلال بقصف الابرياء في قطاع غزة على مدى اسابيع. وما زالت التعليقات العنصرية لمراهقين اسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي حول ابادة العرب وضرورة قتل الاطفال الفلسطينيين "كي لا يكبروا ويهددوا اسرائيل" موجودة على حساباتهم الذين تفاخروا بوضعها مع صورهم الضاحكة المتشفية في قصف قطاع غزة.
منذ البداية كان المرء يستنتج، على استحياء، أن دولة داعش الارهابية في العراق وسوريا انما هي مقابل مطلوب لدولة يهودية في فلسطين المحتلة. أما الآن والسياسة الاسرائيلية الداخلية تكشف عن كل قاذوراتها في حملة انتخابية ستستمر من الآن حتى 17 مارس 2015 فلا داعي للاستنتاج، بل يمكن لكل ذي عين أن يرى داعش واضحة جلية في فلسطين المحتلة. فقط ما علينا سوى أن "نصفي" ما يبثه الإعلام من غلاف رقيق حول سياسة وانتخابات وديموقراطية وغيره وننظر عميقا فيما يجري في كيان الاحتلال، خاصة تجاه الفلسطينيين والعرب اجمعين. ولا نريد أن نذهب بعيدا مقارنين بين ايفيت لفوفيتش الذي هاجر من مولدوفا (وكانت وقتها سوفيتية) ليغير اسمه إلى أفيغدور وبين ابو "شو اسمه" الشيشاني او الداغستاني الذي هاجر من المنطقة ذاتها إلى سوريا ليدمر البلاد ويذبح العباد مثلما يريد البلطجي الصهيوني أن يفعل مع العرب. أو ليس هو الذي هدد بقصف السد العالي في مصر ونسفه، أو ليس هو المطالب بالتخلص من العرب في فلسطين، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
لكن، مرة أخرى، ما كان لداعش (ذلك الارهاب العنصري الصهيوني المتسربل بالدين اليهودي) أن تبرز هكذا وتصعد في فلسطين المحتلة دون ان تكون هناك داعش (ارهاب دموي عنصري متسربل بالدين الإسلامي) في دولة الخلافة المزعومة. ويترك ذلك نخبة العرب والمسلمين للجدل العقيم: أي الداعشين أولى بالمواجهة أولا؟ والواقع الأليم أن نخبتنا إنما تسهم في تعزيز قوة الداعشين، في الهلال الخصيب وفي فلسطين. وبما أننا لا نتوقع تحالفا دوليا يواجه داعش الاحتلال في فلسطين، بينما يتم الحشد لمواجهة داعش الخلافة في العراق فلا تنتظروا سوى أن يفرض البلطجي المولدوفي ايفيت لفوفيتش نفسه على المشهد في المنطقة بعد قليل.

د.أيمن مصطفى
كاتب صحفي عربي