حين يغيب الوازع الديني وتنحطّ الأخلاق بانحطاط الضّمير البشريّ يصبح المال معبودا بدل الخالق، ويتحوّل الإنسان سلعة في يد مافيا الربحيّة. ووقتها تعمى الأنظار وتصم الآذان عمّا يحلّ بالشّعب من مصائب وويلات نتيجةالغش والكذب والتدليس في التجارة منهجا لكسب المال، وخاصّة حين يتعلّق الأمر بتجارة الغذاء والطعام والشراب.
ومن المعلوم أنّ من أمن العقوبة أساء الأدب. وعليه يمكن القول أنّ أخطاء السابقين لم تكن عبرة للحاضرين. والسبب في ذلك يعود إلى كون المدلّسين بأمس لم يواجهوا عقوبات حازمة بقدر الأفعال، فاقتصر الأمر على عقوبة بسيطة تمثلت في غرامات مالية لا تتجاوز ألفا أو خمسة آلاف من أموال بلغت الملايين، وعلة طالت الكثيرين، وانتهت القضية بالسجن لأيام معدودة. وترتّب على ذلك أن واصل المخربون مشوارهم في محاولة تسميم المستهلك البريء سواء بقصد او بدون قصد بهدف كسب الأموال السريعة دون أدنى خسارة التجأ بعضهم مرّة أخرى إلى التلاعب بصحّة المواطنين من خلال تغيير التواريخ على السلع الاستهلاكيّة ظلما وطغيانا وتعويضها بما هو أحدث.
والغريب في الأمر انّه رغم هذا الانتهاك، نقف عاجزين عن اتخاذ قرار رادع وصارم ضدّ من تسول له نفسه المساس بصحتنا وصحة فلذات أكبادنا الذين يصبحون ويمسون في رغبة عارمة للغذاء والشراب. رغم أنّ المشرّع وضع آدابا وشروطا لمزاولة التجارة، جاء أكثرها في صورة نواهي وبعضها في صورة أوامر يعيها الجميع ويجب أن نلتزم بها اخلاقيا ونتصف بها سلوكيا.
إنّ ما نرمي إليه في هذا الصدد قيام الهيئة العامة لحماية المستهلك في الآونة الأخيرة بمهمّة جبارة لاكتشاف الغشّ بكل دقة واحترافية. وتبيّن أنّ شركة استوردت كميات كبيرة من الحليب (بودرة) بتواريخ انتهاء أقل من شهرين فاستبدلتها بتواريخ جديدة لفترات طويلة قدر الحليب بأكثر من مائة ألف كيلوجرام. في حين كانت شركة أخرى بصددإنتاج مواد غذائية كالبطاطس بمواد منتهية الصلاحية. وكانت البطاطس في حدود 63 ألف كيس. تلك الضبطية تعد قضية من الاف القضايا التي نسمع عنها في كل حين وتتكرر بأشكال أخرى وأساليب تحايلية متباينة لا بد أن يدق المستهلك في هذا البلد ناقوس الخطر ضدها، فثقافة المستهلك في هذا المضمار لها دور أساسي وحيوي كون المستهلك حجر الزاوية في العملية الاقتصادية وبدونه لا يتم الشراء مطلقا.
إنّ هذه الممارسات المتكرّرة تتطلّب إجراءات قضائيّة صارمة تصبح عبرة لمن يعتبر، حفاظا على سمعة البلد وصحّة المواطن قبل أن يفوت الأوان ونصبح ضحايا مافيا الربحيّة التّي تفتقر إلى أدنى ضمير إنسانيّ وإلى وازع دينيّ تبعا لمقولة المصطفى عليه السلام "من غشّنا فليس منّا. نعم الأمر كذلك لأنّ مكان الغاشّ السجن. حتّى يصبح عبرة لغيره. ونوقف استمرارية الغش في الغذاء والطعام وغير ذلك من الكماليات والمستلزمات الحياتية. وفي ذلك عبرة لأولى الألباب.

خلفان بن محمد المبسلي
Khalfan05