”جاء التصويت على الدستور بنسبة إقبال معقولة وموافقة كاسحة مخيبا لآمال الإخوان الذين دعوا للمقاطعة وسوقوا لرعاتهم في الخارج أن نسبة الإقبال ستكون أقل بكثير مما كانت عليه في التصويت على دستور وضعوه قبل عام ونصف. في الوقت نفسه راهن الإخوان على بلا من قبل قوى "ثورية" ترفض الحكم العسكري...”
ــــــــــــــــــ
ما يحدث في مصر الآن يتجاوز أزمة سياسية بين الإخوان وبقية القوى السياسية أو بين تيارات سياسية، إنما هو عودة أسوأ مما كان في التسعينيات من القرن الماضي من عنف إرهابي وصراع دام بين الجماعات "الإسلامية" والشرطة. من الواضح أن عمليات الاحتجاج المتواضعة منذ التغيير في مصر الصيف الماضي والإطاحة بحكم الإخوان لم تؤت ثمارها إخوانيًّا. فإلى جانب تراجع التعاطف الشعبي معهم واستياء الناس العادية من احتجاجاتهم قليلة العدد لكن المعطلة للشوارع والمصالح، لم تعد تلك الاحتجاجات ذات إثر في الإعلام الخارجي الذي يعتبر الإخوان "ضحايا". وبدأت قيادات التنظيم الدولي من لندن وغيرها ورموز الإخوان الآخرين في تركيا وقطر حث جماهيرهم في مصر على الدفع بمزيد من الجهد لإبراز "قضيتهم". إلا أن كل تلك الجهود، والحشد الإعلامي الذي خصصت له فضائية رئيسية، لم ينجح في إفشال خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية في مصر.
جاء التصويت على الدستور بنسبة اقبال معقولة وموافقة كاسحة مخيبا لآمال الإخوان الذين دعوا للمقاطعة وسوقوا لرعاتهم في الخارج أن نسبة الإقبال ستكون أقل بكثير مما كانت عليه في التصويت على دستور وضعوه قبل عام ونصف. في الوقت نفسه راهن الإخوان على بلا من قبل قوى "ثورية" ترفض الحكم العسكري وتتقاطع معهم في اعتبار المرحلة الانتقالية حكما عسكريا. لم يتحقق الهدفان، واصبح واضحا أن الرفض الشعبي للإخوان في مصر يتجاوز كل الثرثرة والادعاء بأن الناس مغلوبة على أمرها بالقمع الأمني والعسكري ـ كما يدعي الإعلام المناصر للإخوان. وبدا منذ اقرار الدستور أن كل تكتيكات الإخوان لإفشال المرحلة الانتقالية ليست مجدية، حتى مسألة الاشتباك مع الأمن والأهالي وسقوط ضحايا لم يعد جالبا للتعاطف كما كان متوقعا. وللأسف الشديد ادى ذلك إلى حالة من البلادة الكارثية في المجتمع المصري، خاصة وأن أي قوى سياسية تحاول معارضة القمع والوقوف في وجه البطش ـ عن حق بالتأكيد ـ تتهم بأنها مناصرة للإخوان. وهكذا بدأ الإخوان يجلبون عدم التعاطف على من يتقاطع معهم في مصر، بل وتزيد ممارساتهم من تغول الأمن.
لم يعد إذا هناك سوى تصعيد أعمال العنف والإرهاب، التي وإن استهدفت الشرطة بالأساس، لكنها يفترض أن تولد حالة رعب وذعر في البلاد كلها وتدفع السلطة الانتقالية إلى إجراءات قمعية أكثر تبرر للإخوان حملاتهم الدولية وتعطل مسار الانتقال. صحيح أن العمليات الإرهابية ضد الجيش والأمن في شبه جزيرة سيناء لم تتوقف منذ الإطاحة بحكم الإخوان، وسقط فيها عدد كبير من الضباط والجنود، وأن الشرطة استهدفت سابقا بتفجير سيارة مفخخة في مديرية أمن الدقهلية إلا أن الوتيرة تصاعدت منذ التصويت على الدستور. وبدأت حملة سيارات مفخخة وقنابل وعبوات ناسفة في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، تستهدف الشرطة وتروع المدنيين. ومع اقتراب ذكرى احتجاجات يناير التي اطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك، تصاعدت أعمال الإرهاب عددا ووتيرة.
وبغض النظر عمن يعلن مسؤوليته عن تلك الهجمات والعمليات الإرهابية ضد الجيش والشرطة فلا يمكن استبعاد علاقة الإخوان بهذا التصعيد. ليس العنف والإرهاب ببعيد عن تاريخ الإخوان، ثم إن تهديدات قادتهم للمصريين بأنهم سيشعلون البلاد إذا أبعدوا من السلطة ليست ببعيدة. ثم إن كل الإرهاب المتسربل بالدين، من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا مرورا بليبيا وغيرها إنما خرج من عباءة الإخوان. هذا التحول في تكتيك الإخوان خرج بهم نهائيا من ساحة السياسة، ليس في مصر فحسب بل في كل بلاد المنطقة ـ حتى لو ظلوا في تونس يناورون إلى حين. إن تفجير مديرية أمن القاهرة، والهجوم بالعبوات الناسفة على الشرطة في إمكان سكنية في قلب القاهرة، والغدر بمجندين أبرياء في كمين بإحدى محافظات الصعيد لا يمكن تبريره بأنه "جهاد في سبيل الله والوطن"، إنما هو إرهاب مقيت لا يمكن التعامل معه إلا بالحرب عليه. ومجرد سؤال: لو أن جماعة مسلحة استهدفت مروحية لأي بلد بصاروخ هل سنطالب هذا البلد بالتحاور مع تلك الجماعة والعمل على "تضمينها" في خريطة طريق سياسية؟ لا يقولن أحد إن تلك الجماعة الوهمية التي تسمى "أنصار بيت المقدس" ليست أحد أجنحة الإخوان العسكرية.
المشكلة الحقيقية هي في أن السلطة الانتقالية، ووراءها المؤسسة العسكرية لا تريد أن تتخذ اجراءات ضرورية مراعاة لاحتمال أي انتقادات توجه لها بأنها تؤسس للقمع في الفترة الانتقالية. والحقيقة أنها متهم بذلك، سواء اتخذت اجراءات استثنائية أم لا. لكن هذا التردد هو سمة، ليس فقط في التعامل مع الإخوان والإرهاب وإنما مع بقية القضايا المهمة. وتحتاج المرحلة الانتقالية، إلى جانب خريطة الطريق والانتخابات، إلى حسم أكثر من ذلك بغض النظر عن مجادلات السياسة وأي انتقادات من هنا أو هناك. والآن بالتحديد، لا يمكن التعامل مع الإرهاب الذي تشهده مصر إلا بمواجهة حاسمة دون تردد ولا اي اعتبار لهذا الطرف أو ذاك. إنها ليست فقط مسألة الدولة مقابل جماعة تريد "أخونتها" إنما الإرهاب يستهدف تدمير البلاد بكاملها دولة ومقدرات. ولمصر عبرة ومثل في كافة الدول التي كافحت الإرهاب بإجراءات تتجاوز كل ما تدعيه من حرية وديموقراطية وحقوق إنسان.

د. أيمن مصطفى
كاتب وصحفي عربي