الجزائر ـ العمانية :
تُعد صناعة النسيج من أقدم الصناعات التقليدية التي لجأ إليها الإنسان، متدرّجا فيها من البساطة إلى الإتقان والجودة، فقد فرضت الحاجة على الإنسان أن يصنع ملابسه التي تستره وتقيه برد الشتاء وحرّ الصيف، فاتّخذ من ورق الشجر وجلود الحيوانات ألبسة. ومع مرور الزمن، بدأ يطوّر مهاراته في هذه الصناعة، فأضاف الألوان والزخارف المستوحاة من الطبيعة التي تعدُّ مصدر إلهام لبداية إبداعاته، كما طوّر من مصنوعاته النسيجية لتتلاءم ومتطلبات الحياة اليومية، وإذا كانت الشعوب والحضارات لا تمرُّ إلا بعد أن تترك بصماتها على فنونها وصناعتها، فإنّ الجزائر، كغيرها من الدول، تملك من الشواهد المادية ما يدلُّ على الثراء الفني، حيث عرفت الكثير من المناطق منسوجات أبانت عن مهارات حرفية كبيرة لدى سكانها، من أبرزها زربية قرقور بولاية سطيف (شرق الجزائر)، وهي زربيةٌ مشهورة بأسلوبها وزخارفها، وتُشيرُ بعض المراجع إلى أنّ منطقة سطيف عرفت صناعة الزرابي خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وكانت تخضع لتقنيات وأساليب حافظت عليها لعشرات السنين، قبل أن تختفي، شيئا فشيئا، بفعل اجتياح المنسوجات الصناعية، التي تعتمد على قوة الآلات الحديثة.
وتؤكد دراسة أعدّتها مشيرة شخشوخ وماريا شحمانة، اللّتان تشتغلان ملحقتا حفظ بمتحف سطيف، بأنّ زربية قرقور كانت تحاك قديماً بمساعدة الرقّام والمرأة، وأنها أصبحت مهنةً للنسوة اللواتي يقمن بحياكتها بطريقة العقدة (غيورديس)، حيث يبدأ هذا النسيج وينتهي بحافة حاشية منسوجة بإحكام بتقنية النسج المسطّح، وتتدلّى على جانبيه ضفائر.
وتضمُّ زربية قرقور ما يُسمّى "الحاشية"؛ وهي تعمل على منع الخيوط والعقد من التلاشي بعد فصل الزربية عن النول. أمّا الضفائر، فتتشكّل من خيوط السدي المتدلية على طرفي النسيج ، وبعد فصل الزربية عن النول، تقوم النسوة بتسوية الصُّوف من خلال قصّه وفق محور أفقي بواسطة سكّين حادة ذات مقبضين، وتتميّز زربية قرقور باعتمادها على استعمال الألوان الطبيعية في تلوين الصوف، حيث يجعل الرقّام خلفية المحراب باللّون الأحمر، ويستعمل داخل الجامات أزهارا حمراء على خلفية زرقاء، كما تُزيّن الميدالية المركزية أنصاف أزهار بيضاء وعناصر نباتية أخرى خضراء، وصفراء، وزرقاء، أو وردية على خلفية حمراء.
أمّا الزخارف، فتتكوّن من أشكال هندسية، أهمُّها الإطار المزدوج، وهو عبارة عن حاشيتين بلون موحّد، وظيفتُهما فصل المساحات المزخرفة، في حين يتكوّن الإطار الداخلي من حاشية واسعة، نوعاً ما، وتكون مزخرفة، كما تضمُّ زربية قرقور، المحراب أو الخلفية، وهو عبارة عن مساحة تتوسّط الزربية، ويُحدّدُها الإطار الداخلي، وتُشكّلُ الخلفية أكبر وأهمّ مساحة.
أمّا الركنيات، فهي زوايا المحراب، وعادة ما تكونُ مليئة بالزخارف، في حين تتوسّط المحراب "الرصيعة"، وهي عبارة عن زخرفة ثمانية الأضلاع، وتشتهرُ زربية قرقور بالزخارف النباتية الزهرية، حيث تتفنّنُ النسوةُ في تجسيد الأزهار على شكلها الحقيقي، يقودهنّ في ذلك التأثُّر بزرابي ونسيج المشرق من خلال تطبيق الزخارف الزهرية المقدسّة، دون أن ننسى شجرة الحياة التي تُزيّن المحراب في العديد من أنواع الزرابي الجزائرية.
وتختمُ الدراسة المذكورة حول زربية قرقور بالتأكيد أنّ صناعة الزرابي ليست فقط صفوفاً معقودة من الصُّوف فحسب، بل هي رسمٌ ولونٌ وهندسةٌ بطريقة متناسبة ومتناسقة؛ وأن العناصر الزخرفيّة المجسّدة في هذه الزربية تبيّن مدى الذوق الفني الرفيع الذي يتمتّع به الرقّام.