في الوقت الذي تستعد فيه منظمة الأمم المتحدة للاحتفال يوم غد باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من شهر ديسمبر الحالي، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948م الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجنيف، توالي المنظمة الدولية دق أجراس الإنذارات بالمخاطر التي تهدد الإنسانية وتنتهك حقوق الإنسان في جهات الأرض الأربع.
فيوم أمس وحده كان لافتًا وكافيًا للوقوف على حجم المخاطر والانتهاكات والمهددات التي تتربص بالإنسان وحقوقه جراء الممارسات العدوانية والسياسات القائمة على الاستعمار ونهب الثروات والأنانية والرأسمالية المتوحشة، حيث أكدت الأمم المتحدة أن الوكالات الإنسانية التابعة لها ستضطر إلى مساعدة 57,7 مليون شخص في 2015 وهو رقم قياسي يفوق قدراتها، وهي تحتاج لتحقيق ذلك إلى 16,14 مليار دولار وفقًا لنداء للمساعدة الإنسانية وجه أمس في جنيف، في حين أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن عام 2014 كان عامًا كارثيًّا بالنسبة لملايين من الأطفال؛ حيث تعرضوا للاختطاف والتعذيب والاغتصاب وتم بيعهم أيضًا كعبيد، مؤكدة أنه "لم يتعرض الكثير من الأطفال لمثل هذه الوحشية التي لا توصف في أي وقت سابق". ووفقًا للمنظمة، يعاني ما يزيد على 15 مليون طفل في مناطق الأزمات الساخنة حاليًّا في سوريا والعراق وغزة وأوكرانيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى من العنف الشديد والدمار والتشريد. كما أن هناك نحو 230 مليون طفل يعيشون حاليًّا في الدول والمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة على مستوى العالم، وفقًا لتقديرات (يونيسف). بينما وجهت أكثر من ثلاثين منظمة إنسانية (أمس) نداء لتلتزم دول استقبال نحو 180 ألف سوري لجأوا حتى الآن إلى دول محاذية لسوريا، مشيرة إلى أن هؤلاء يشكلون خمسة في المئة من نحو 3,6 مليون لاجئ سيتوجهون إلى الدول المجاورة لسوريا في العام 2015 هربًا من النزاع المستمر في ذلك البلد منذ 2011. ويأتي هذا النداء عشية انعقاد مؤتمر وزاري للأمم المتحدة في جنيف اليوم الثلاثاء لبحث مسألة إعادة إسكان هؤلاء اللاجئين بهدف إراحة دول الشرق الأوسط التي استضافتهم حتى الآن.
لقد بات واضحًا من خلال هذا الواقع المؤلم لحقوق الإنسان وما تتعرضه له من انتهاكات ممنهجة وغير مسبوقة في هذا العالم الذي يدَّعي الحرية والنضال من أجل حقوق الإنسان، أن شعارات الحرية بمختلف عناوينها من "ديمقراطية وحقوق إنسان وتقرير المصير" وغيرها من اللافتات الرنانة المعسولة، لم تكن سوى أقنعة تتلطى خلفها قوى الشر والإرهاب والاستكبار والاستعمار لتبرير جرائمها وأفعالها الشائنة تجاه دول المنطقة وشعوبها ودول العالم، ولتسويغ تدخلها في الشؤون الداخلية للدول، تبعًا لنوع الهدف المراد، سواء كان متعلقًا بمصالح اقتصادية أو سياسية أو متعلقًا بكيان الاحتلال الصهيوني الذي يتربع على عرش الانتهاكات ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان، ويتربع على عرش جرائم الحرب والإرهاب؛ ويتسيد العالم بل ويقود العالم بقواه الكبرى التي تتحالف معه استراتيجيًّا وتدعمه وتدافع عنه، نحو هدم حقوق الإنسان وضرب الاستقرار والسلم والأمن الدولي، حيث بدا ذلك من خلال ما يتعرض له الإنسان الفلسطيني والسوري والعراقي خاصة والإنسان العربي عامة.
وعلى الرغم من هذه السياسات السوداوية القائمة على المتاجرة بحقوق الإنسان، فإن هناك من أعطى الإنسان قيمته وأعلى كرامته واحترم حريته وفكره، وعمل ليل نهار، فكانت كل قطرة نزلت من جبينه هي من أجل الإنسان وبنائه، إنه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي قاد بكل حكمة واقتدار نهضة مباركة ارتكزت على الإنسان وقامت عليه وصانت حقوقه من قبل ولادته وحتى بعد مماته عبر ورثته وذريته، حيث أكد جلالته ـ أيده الله ـ على تلك الحقوق وحفظها دستوريًّا من خلال مواد النظام الأساسي للدولة، والتشريعات والقوانين، والشراكة في عملية البناء وصنع القرار، وإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي تستعد غدًا للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار "حقوق الإنسان شراكة مجتمعية" عبر ندوات وأوراق عمل تتناول مواضيع وقضايا تهم حقوق الإنسان منها مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في قضايا حقوق الإنسان، ودور اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان إضافة إلى إقامة حلقات نقاش حول حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق ذوي الإعاقة.