ناصر بن محمد الزيدي:
يـقـول الله تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الـحـجـرات ـ 10)، كـيـف يـتـأتى لـمن يتعـامل مـع الإنسانية، اهـتـمامًا ورعـاية وتحـكـمًـا، كـيـف يـتـأتى لـهـؤلاء الـنـاس أن يـنـظـروا إلى أذى طـفـيـف، وهــم يـسامـون سـوء الـعـذاب، يـُقـتّـلُ أبـنـاؤهـم، وتُهـدمُ بـيـوتـهـم، وتُـنـتـهـكُ حـرمـاتـهـم، وتــدور رحـى الـحـرب عـلى أنـاس هـمـهـم الـوحـيـد هـو كـسب رزقـهـم ورزق مـن يـعـولـون، أين الإسـلام وأين أوامـر الإسـلام، الـذي جـاء مـن تـعـالـيـمـه قـولـه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الـحـجـرات ـ 13).

يا أيـهـا الـنـاس الـذيـن تـتحـدثـون عـن الإنـسانـية، وأنـتـم تـنـتـهـكـون حرمـاتـهـا، وتـتـحـدثـون عـن حـقـوق الإنـسـان، فـمـن هـذا الإنـسان الـذي تـتـحـدثـون عـنـه؟، وإن اهـتـمـامـكـم (حـسـب دعـواكـم) بحـقـوق الإنـسان مـا لـكـم لا تـتـحـدثـون عـن الـحـقـوق التي تـمـزق تحـت الأقـدام؟ مـا لـكـم لا تغـارون عـلى الإنسـانيـة التي تــدفـن في الـرغـام؟، مـا لـكـم لا تـضـربـون عـلى يـد الـظـالـم؟، مـا لـكـم لا تـتـكـلـمـون وتـنـدودن ولـو بـكـلـمـة تـنـكـرون أعـمـالـهـم؟، مـا لـكـم لا تعـبـرون عـن الأسـى والأسـف الـذي يـنـحـط عـلى الـمـظـلـوم ولـو بـكـلـمـة واحـدة؟، حتى نـعـلـم أنـكـم مـهـتـمـون بأن يـشـمـل مـيـثـاق حـقـوق الإنـسـان، جـمـيـع الإنسـانـيـة صـغـيرًا وكـبـيرًا، غـنـيًـا أو فـقـيرًا، قـريـبًـا أو بـعـيــدًا، ظـالـمًـا للـحــد مـن ظـلـمـه، مـظـلـومًـا لـنـصـرتـه والـوقـوف بـجـانـبـه.

لـمـاذا تحـول صـراخـكـم لـتـأيـيـد الـظـالـمـين لمـا قـام الـمـظـلـوم يـدافـع عـن حـقـوقـه الـمسـلـوبـة، بـدفـاعـه الـمـشـروع لـيـستـرد حـقـه الـمـسـلـوب؟، ومـهـما ارتـفـعـت الأصـوات تهـيـب بالــذين بـيـدهـم مـقـالـيـد الأمـور وكـلـمـة الـفـصـل، مـهـمـا ارتـفـعـت الأصـوات تهـيـب بـهـم أن يـتـكـلـمـوا، لا يتـكـلـمـون لـمـاذا؟، لأن الإنـسانـيـة هـنـاك مـشـتـتة مـمـزقـة إلى أجـزاء مـتـنـاقـضة، ولأن الإنـسانـيـة هـنـاك لـيس عـلى قـلـب رجـل واحـد مـنهـم، وهـذا فـرق بـين تـلك الـنـظـرة الـضـيـقـة، الـمحـصورة في فـئـة مـعـيـنـة دون غـيرهـم، وبـين نـظـر الأمـة الإسـلامـيـة الـواسـعـة إلى الإنـسـانـيـة، فـنـظـرة الـبـغـي والـعــدوان إلى الإنـسـانـية لا يـقـرهـا الإسـلام ولا يـرضـا هـا الـمـسـلـم حـتى عـلى عـدوه.

نحـن الـذي تربـيـنـا في ظـلال الإسـلام، وأقـول هـذا عـلى لـسان كـل مـسـلـم صـادق في إسـلامـه، فـوق هـذا الـكـوكـب الأرضي، نـنـكـر الـظـلـم أيـنـمـا وجـد، وفي أي سـاحـة ظـهـر سـواء انـحـط عـلى أنـسـان مـن الأقـربـين، أو انحـط عـلى انـسان مـن الأبـاعـد، لا يـمـكـن أن نـفـرق بـين قـريـب أو بـعـيـد إطـلاقـًا، قال تعالى:( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الـمـائـدة ـ 2).

ألـيـس هـنـاك أنـاس صـدوكـم عـن الـمـسـجـد الـحـرام؟ إيـاكـم أن تجـعـلـوا مـن هــذا الـمـوقـف الـمـضـاد دافـعًـا مـبررًا، لأن يحـمـلـكـم ظـلـم الآخـريـن لـكـم عـلى الـظـلـم، فالـظـلـم ظـلـمـات يـوم الـقـيـامـة، فـمـا يـنـبـغي أن يحـمـلـنـكـم ويـدفـعـكـم ذلك عـلى أن تـظـلـمـوا، هـكـذا ربـانـا الإسـلام، وهـذا هـو الـكـلام الـمـنـطـقي، عـلى كل مـن صـدق مـع الله سـبحانه وتعالى في الـخـضـوع لإحــقـاق الـحـق ونـصـرة الـمـظـلـوم.

نحـن الـمسـلـمـين نجـعـل مـصـالـحـنـا خـادمـة للإنـسانـيـة جـمـعـاء، بـيـنـما أولـئـك يجـعـلـون الإنـسانـية خـادمـة لـمـصـالحـهـم الـخـاصـة، ألا تـذكـرون الـكـلـمـة التي تـصـك أسـمـاعـنـا دائـمـًا؟، كـل مـا تـعـارضـت إنـسانـية تـلك الـدول الـقـويـة، مـع مـصـلـحـة مـن الـمـصـالح التي تـراهـا تـعـتـذر في سـحـقـهـا لـكـرامـة الإنـسانـية، لأن مـصـالحـهـا قـوق كـل اعـتبـار، فـهـي تـقـتـضي ذلك وتـسـعـى في تحـقـيـقـه.

إذن: فـالـمـصـلحـة مـن واقـع الـتربـيـة الإسـلامـية ومـقـومـاتهـا، هـي الـمـيزان التي تجـعـل الـنـاس سـواسـية، لا فـضـل لـعـربي عـلى عـجـمي، ولا لـقـريـب عـلى بـعـيـد، ولا لـغـني عـلى فـقـير، ولا لـقـوي عـلى ضـعـيـف، ذلك هـو مـيزان الـحـق الـذي يـجـب أن نـتـبـعـه ونـسير عـلى هـداه، ونـحـافـظ عـلـيـه مـن الـمـيـل، ولـو يــودي ذلك بـحـيـاتـنـا ويـكـون ذلك سـبـبـًا لـقـطـع رؤوسـنـا، ومـصـلحـتـنـا تـقـتـضي أن نـضـرب صـفـحـًا عـن الـظـلـم، الـذي يـقـع وتــدور رحـاه عـلى آلاف الـنـاس في شـرق الـعـالـم الإسـلامي، أو في غـربـة في بـلاد الإسـلام والـمـسـلـمـين.

إن الـمـصـلحـة الـحـقـيـقـية هـي الأسـاس عـنـد غـير الـمسـلـمين، والإنـسانـية يـنـبـغي أن يـضحـى بـهـا في سـبـيـل الـمـصـلـحـة، هـذا هـو قـانـونهـم، قـانـون الـغـاب، أمـا نحـن الـمسـلـمـين في كل الأحـوال وفي كل الأوضـاع وفي سـائـر الـتـقـلـبـات، مصـالحـنـا هـي خـادمـة للإنـسـانـيـة جـمـعـاء .. وللـحـديـث بـقـيـة إن شـاء الله.