نزوى ـ خميس السلطي
تتواصل مساء اليوم ولليوم الرابع على التوالي أعمال مهرجان الشعر العماني التاسع الذي تحتضنه كلية العلوم التطبيقية بنزوى، بقراءات شعرية متنوعة لعدد من الشعراء المتأهلة نصوصهم ومن خلال جلسة شعرية ثالثة متنوعة تحت رعاية سعادة الشيخ محمد بن حمدان التوبي مستشار وزارة التربية والتعليم، ففي بداية الجلسة ستكون هناك وقفة شعرية مع عدد من الشعراء الضيوف وهم الشاعرة مكية الكمزارية، والشاعر كامل البطحري بعدها سيلقي كل من الشعراء المتأهلة نصوصهم، ففي الشعر الفصيح سيشارك محمد بن علي العوفي بنص "أضغاث النبوءات" ومحمود بن عبدالله العبري بنص "شيء ما عن نزف الحرف" ومنيرة بنت خميس المعمرية بنص "أينك" وهشام بن ناصر الصقري بنص "سـفَــرٌ لِظِلٍّ مَكـسُــور" وهلال بن سيف الشيادي بنص "تخت القداسة" وفي الشعر الشعبي سيشارك عبدالعزيز بن طالب السعدي بنص "سلة ياسمين" وعبدالناصر بن سعيد السديري بنص "الموت ما يرقى القصيدة" وعلي بن يوسف الأنصاري بنص "تمتمات الحلاج عند الخشبة" ومحمد بن خلفان المشرفي بنص "الطريقه الأخيره ومحمد بن مرزوق اليحيائي بنص "هو الباقي".
وتواصلت أمس أعمال المهرجان بندوة صباحية تحت رعاية سعادة الشيخ الدكتور خليفة بن حمد السعدي محافظ الداخلية ، وارتكزت محاورها على رصد العلاقات البينية في الثقافة العمانية، أفرادًا ومؤسسات وإعلامًا، وتتبع الحركة الثقافية العمانية وما يصاحبها من تكتلات شللية، وجذور هذه التكتلات تمظهراتها وتأثيراتها السلبية والإيجابية على الثقافة العمانية، وقدم أوراقها كل من الدكتور حسين العبري والكاتب علي بن سليمان الرواحي، والإعلامية والكاتبة هدى حمد، حيث كانت البداية مع الدكتور حسين العبري، الذي ألقى ورقة عمل بعنوان "التحزبات سيكولوجيا" تطرقت إلى الشللية لغةً فهي ليست سالبة ولا موجبة بل متعادلة، هكذا يراها الدكتور حسين العبري، فالمعنى المتداول معنى اصطلاحي، فالشلة بما تحدثه من مساوئ على الأفراد في الشلل الأخرى، وما تجلبه من مصالح لأفرادها، لذلك الكلمة الخالية من الدلالات السيئة أو الإيجابية والتي يمكن تفحصها من وجهة نظر نفسية، هي: المجموعة، كما أن الحديث عن الشللية يمكن أن يفهم ضمن مصطلحات علم النفس الاجتماعي بالحديث عن المجموعات والتفاعل فيما بينها. كما تطرق في ورقته إلى أن دافع تكوين المجموعات البشرية قوي جدا، وهو متركب ضمن الطبيعة البشرية للإنسان. لأن المجموعات تخدم غريزة البقاء، فالمجموعة حسب رأي الدكتور حسين تعطي الفرد الكيان الاجتماعي أو الهوية الاجتماعية، كما أن الحدود بين المجموعات متداخلة دائما وعادة ما ينتمي الفرد الواحد إلى أكثر من مجموعة. وخرج الدكتور حسين ببعض التعريفات فيما يخص الشللية تتمثل في التحيز ويحتوي على حكم مسبق، عادة ما يكون سالبا، على مجموعة معينة أو أعضاء تلك المجموعة، والتحيز ليس رأيا فقط أو فكرة، بل هو موقف وسلوك، يحتوي على مشاعر مثل الكره والاحتقار والاشمئزاز، وربما يكون التحيز ظاهرا أو غير ظاهر، واعيا أو غير واع، إضافة إلى التنميط، وهو صورة ذهنية لمجموعة معينة تعمم فيها صفة معينة على جميع أعضاء تلك المجموعة. التعميم هنا عادة ما يكون تعميما مبالغا فيه، والتنميط عادة ما يكون سالبا وعصيا على التغيير، أيضا هناك التمييز وهو التعامل مع أعضاء مجموعة ما بشكل غير عادل بسبب انتمائهم لتلك المجموعة. ثم انتقل بنا الدكتور حسين العبري إلى التفكير الفئوي فهو نزعة الفرد إلى وضع الناس في مجموعات أو فئات، ومن ضمن التفكير الفئوي: التفكير الطبقي، وعادة ما يشار إليه بتفكير الجناح اليميني المتسلط، أو التفكير بمنطق السلطة، والتفكير الفئوي يسهل عمل الدماغ، ويتفعل عادة بشكل أوتوماتيكي، وخصوصا حين يكون الفرد منشغلا أو مشتتا. التفكير الفئوي فيه يميل الفرد إلى أخذ أفراد مجموعته على أنهم متماثلون كثيرا فيما بينهم، وفي المقابل يأخذ أفراد المجموعة الأخرى على أنهم مختلفون عن مجموعته بشكل كبير، وبكلمات أخرى، يقوم الفرد بتصغير الاختلافات في مجموعته، ويكبر الاختلافات في المجموعة الأخرى. وهكذا. في نهاية حديثه وجد لنا الدكتور حسين العبري عددا من آليات للتقليل من التحيز والتنميط والتعصب تتمثل في التعاطف، على أن يكون المرء أكثر تعاطفا مع المستهدف من تحيزه وتعصبه، مع إيجاد القوانين والتنظيمات والمعايير الاجتماعية الضابطة، وتعريف الناس بالتناقض في تفكيرهم التعصبي، وتعريف المجموعات بعضها ببعض.
الكاتبة والإعلامية هدى حمد الجهورية ألقت ورقة عمل في الإطار ذاته وتحت عنوان "اتسع الخرق على الراقع" تقول الإعلامية الجهورية في موضوع حيوي وشائق كـ"الشللية الثقافية" التي يُختلف حولها كثيرا، بل إنّها تغدو مدخلا جيدا لالتباسات وصدامات ومُؤاخذات، وأكثر من هذا قد تؤدي إلى حساسيات عميقة، أظن أنّه يجدرُ بنا أولا أن ننطلق من هذا السؤال الملح: هل بالضرورة أن تكون الشلّة الثقافية حالة سلبية؟ حالة غير منتجة وغير فاعلة، وداحضة لأي فكرة خيرة؟ وتشير أن: نحن للأسف بمجرد ما أن نسمع هذا المصطلح "شلّة" نأخذُ انطباعا مباشرا بوجود حالة غير سوية، بالرغم من أننا نستطيعُ أن نثبت العكس. بمعنى أنّه توجد شلل ثقافية ـ إن صح القول ـ في العالم بأسره، جمعتها الرؤية والأهداف المشتركة والتلاقي في بؤر التفكير العميقة، وقد استطاعت عبر هذه الفرادة النوعية أن تنتج أعمالا لافتة بقيت لزمن طويل في الذاكرة، والأدلة حول ذلك كثيرة وسنأتي على ذكر بعضها، من جهة أخرى تقول الكاتبة هدى إن "الشللية" ليس بالضرورة أن تنفي فكرة الاختلاف المعرفي في ظل الوعي بالاختلاف كإضافة نوعية وجادة للشلّة الواحدة، فالاختلاف لا ينتقص من وحدتها، ولا يُمزق أواصرها المتينة، بل يبثُ فيها التكاملية والرؤية الشاملة التي تجعل النتاج متحليا بعمق إضافي، وتضيف بقولها أيضا: لكن يعوز ربما الكثير من "الشلل" أن تطرح على نفسها هذه الأسئلة، وأن تعي نقاط فرادتها، وإمكانيات عطائها. لأنها - أي الشلل- للأسف الشديد غالبا ما تُبقي نفسها في موقع دحض تهمة "الشللية" عنها، لأنّها أصلا لا تملك الشجاعة الكافية لتعترف بوجود احتمالات لأن تكون "الشلة" نواة جيدة لمشاريع ثقافية مهمة، وإن كانت ذات طابع نخبوي عادة، وبعيدة عن الطراز الشعبي. بعدها تأخذنا الكاتبة لتقول: دعونا أيضا نتفق على أنّ الشللية الثقافية ليست حالة عُمانية بل هي حالة عالمية، بمعنييها الإيجابي والسلبي أيضا. ولكن السؤال الأهم : متى يتحول موضوع "الشللية" إلى حالة مُفرطة في السوء. يحدث ذلك غالبا عندما يتحول الأمر إلى محسوبيات ومحاولات لإلغاء الآخر وإقصاء رأيه، "لأنّه ليس من ضمن شلتي ونسق أفكاري، فأنا أعمل جاهدا لمحو وجوده الإبداعي". وتشير أيضا قائلة : إن الوجه القبيح لشللية يكمن في خلق تحزبات وفرق بدلا من أن تشتغل كل واحة منها على مشروعها الخاص، نجدها تجتهد أيما اجتهاد للإيقاع بالفرق الأخرى، وتبذل قصارى جهدها لتقزيم أدوارها وتوجهاتها، وهذه العملية المتبادلة والمستمرة والمُنهكة التي تزاول المحو والهدم والإلغاء.. ماذا عساها تفعل أكثر مما يقول الشاعر: " كنا نداريها وقد مزقت .. اتسع الخرق على الراقع".
وهنا تعطي الكاتبة والإعلامية هدى الجهورية أمثلة عامة تبين : أن يحدث أحيانا أن نجد مجموعة من الضيوف يتكرّرون في برامج التلفاز وفي برامج الإذاعة، كما نجد مجموعة من الكتاب يتكررون في الصحف والملاحق والمجلات. فأول ما قد يطرأ في أذهاننا أن هذا الأمر يحدث لأن المذيع الفلاني يستضيف سين من الكتاب لأنه صديقه ويحبه ومن شلته. كما أن سين من المحررين ينشر لصاد من الكُتاب لأمر مُشابه، أحيانا يكون الأمر حقيقيا، بسبب برجماتية قذرة تتحكم بالموضوع، والمصالح تصبح هنا على حساب كل شيء. أطروحات شتى طرحتها الكاتبة هدى الجهورية لكن في الأخير أخذتنا بقولها على أن المقلق حقا.. هو أن لا يستطيع جيل اليوم أن يُقدم نصه ومقاله ومادته الرصينة الناهضة على الوعي والاختلاف وعمق الثقافة. المقلق أن سهولة النشر إن كانت لا تؤدي إلى شللية منتخبة أن تؤدي إلى أن يسود الغث والرخيص بكثرة بيننا وأشارت في نهاية حديثها : سأقول ربما في الأخير .. شيئا غير متوقع .. نريد شللا ثقافية قادرة على أن تفكر وتتمايز وتختلف وأن تشكل مستوى من الطرح المنتج والجاذب. نريد شللا تتنافس على تقديم مقترحها الفكري والجمالي.
وفي أجواء الندوة الصباحية قدم الكاتب علي بن سليمان الرواحي ورقة عمل فكرية تحت عنوان "الشللية الثقافية في عمان" جاء فيها بقوله: أن هذه القراءة هي رسم لجغرافيا لإشكالية الشللية التي يعاني منها المشهد الثقافي العماني منذ أمد طويل، بغية تشخيصها وفهمها، إضافة إلى إيجاد نوع من الافتراضات المختلفة في السياق ذاته، تتمثل في أن تكون الشللية في مكان ما وهذا يعني إننا أمام أهداف غير معلنة في الكثير من الأحيان، ودائما ما تكون بعيدة عن الأضواء خوفا من المساءلات القانونية والإنسانية الطبيعية، أيضا هناك تعامد لهذه الشللية في السلطنة مع السياق الثقافي، فهي تستمد قوتها من تلك التربة الاجتماعية الخصبة التي تقوم في الكثير من الأحيان على تقسيم ضمني، له تاريخه وسياقاته الثقافية المختلفة. بعد ذلك عرج الرواحي حول الشللية والمؤسسات الحكومية، فهو يقول إنها ليست شأنا ثقافيا بحتا وإنما تمتد إلى غير ذلك ، ولذلك تتداخل الكثير من الأمور غير الإيجابية في الأمر تتمثل في المحسوبية والمحاباة، وكما يقول إن المشهد الثقافي في أحيان كثيرة ينظر إليه خلال عدسات ومعايير خارجة عنه، ولا تنتمي إليه. ثمة نقاط ذات أهمية كبرى تطرق إليها الكاتب علي الرواحي في ورقته ولكن أوجد رؤية نهائية تتمثل في أن على المثقف ألا ينجر لهذه الألعاب المجتمعية والسياسية التي من حوله بالرغم من ضرورة المعرفة بها، وإدراكه التام لكل أسسها وخباياها، بل ينبغي عليه أن يحاول جاهدا تقديم تصور مغاير للفعل الثقافي الحالي، الذي لا يختلف في ماهيته وأسسه عن الوضع السياسي والاقتصادي، بعدها فتح باب النقاش بين الحضور والمحاضرين والذي أوجد طرحا متنوعا من الأفكار والرؤى في واقع الشللية في السلطنة.
وفي المساء قدمت الجلسة الشعرية الثانية، تحت رعاية سعادة المهندس علي بن محمد العبري وكيل وزارة البلديات وموارد المياه لشؤون المياه، والبداية مع قراءات شعرية مشاركة لضيوف المهرجان وهم الشاعر صالح العامري في الشعر الفصيح والشاعر علي الغنبوصي في الشعر الشعبي. بعدها تواصل الشعراء المتأهلة نصوصهم الشعرية في المهرجان مع جمهورهم ففي الشعر الفصيح القي كل من خليل بن خلفان الجابري نصه "تجوال" وسعود بن ناصر الصقري نصه "معزوفة شاعر" وعبدالله بن أحمد الكعبي نصه "غَضبةُ الليلِ وَلهُ النجمِ الساري" وعلي بن سيف الرواحي نصه "دم كافكا وكوابيسه" وفهد بن سالم العويسي نصه "وهج قافية قديمة" وفي الشعر الشعبي القي "خليفة بن حمدان الحامدي نصه "باب وسديم" وخليل بن إبراهيم المعمري نصه "عمان" وسعيد بن عبدالله المشرفي نصه "أيتام عيني" وسعيد بن محمد الشحي نصه "حسبة الأصفار" وعبد العزيز بن حمد العميري نصه "رصاص طائش".