[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
عنوان المقال يطرح فعلا قضية وطنية ضخمة، لم يعد يتحملها أي ملف، ولابد أن تطرح الآن وبقوة بعد أن هزت الأزمة النفطية الراهنة فريقنا الاقتصادي والمالي، وبينت نسبتي نجاحه وفشله فيها، وسوف نجد نسبة الفشل أكبر بكثير من النجاح، من هنا تحتم المعالجة العاجلة، ولن نجدها أي هذه المعالجة سوى في تغيير أشخاص والبحث عن اشخاص لديهم المقدرة الذاتية على قيادة النجاح، نقول قيادة النجاح وليس صناعته، لأن المقومات الاساسية لهذه الصناعة متوفرة في بلادنا، والقضية الضخمة هي، فشلهم في تنويع بنية اقتصادنا العماني بحيث كان يفترض أن يحررنا هذا التنوع الآن من تبعات اية اهتزازات نفطية، وهنا، فإن المنطق يحتم علينا كذلك طرح هذا التساؤل، كيف نجحتم في شركاتكم الخاصة وفشلتم في الوزارات؟
دليل النجاح، الملايين التي تربحها شركاتهم سنويا، والتي تتصدر صحفنا المحلية في نهاية كل سنة، ودليل الفشل، اهتزازنا الكبير بكل هزة نفطية، وبقاء اعتماد بلادنا على النفط والغاز بنسبة (82%) ماذا وراء هذا الفشل؟ مع العلم بأن من اهداف الرؤية 2020 إحداث تحول في تركيبة الاقتصاد الوطني من حيث تعدد مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، بل أنها ذهبت الى حد تحديد نسب مئوية مستهدفة، إذ أنها تحدد نسبة انخفاض حصة قطاع النفط بحلول 2020الى (9%) وحصة الغاز الى (10%) بينما حددت ارتفاع القطاعات الانتاجية الأخرى الى (81%)، فهل سنصل الى هذه النسب بعد الخمس سنوات المتبقية من عمر هذه الرؤية؟ هنا طبيعة الفشل الذي نتحدث عنه في مقالنا اليوم، إذا كانت تلك السنوات الطويلة لم تحقق لنا سوى (18%) فقط، فهل الخمس السنوات الباقية ستشهد ثورة ستحدث التحول المطلوب؟ إذن، علينا أن نبحث عن الاسباب التي تؤدي الى الفشل؟ لأن العقل والمصلحة العليا يقولان لنا أنه سيكون من الخطأ الاستراتيجي الاستمرار في الفشل، فهذا سوف يؤثر على مستقبل قوة البلاد خاصة وأن المستقبل في المنطقة مؤشراته العامة غير مبشرة سياسيا وأمنيا، وهذا يدفع بنا دفعا نحو تحصين وتأمين قوتنا الاقتصادية لكي تنتج لنا موارد مالية مستدامة، فكيف لنا بهذا التأمين في ظل اعتماد بلادنا المطلق على النفط ؟ وكيف لنا بهذا التنوع في ظل البطء الكبير لجهود تطبيق سياسة التنوع رغم أن النجاح مضمون بالنسبة المئوية الكاملة؟ لابد من القول بشفافية، أن هناك تقصيرا واضحا في مسيرة التنوع الاقتصادي، وبالتالي، لابد من عملية استدراك سريعة، وهذه ينبغي أن تحتل أهم الاولويات الوطنية، لأننا لا يمكن أن نرى الخطأ بل الخطر ونصمت عليه أو السير اليه، وعدم تحقيق تلك النسب الطموحة خطأ استراتيجي يدق ناقوس الخطر، فهل هناك من يحمل معنا هذا الهم الوطني؟ ومن هذا الهم، وللزوم الاقناع والاقتناع، سوف ندخل في مقارنة لمحاكمة الفشل حتى نستدل من خلالها بأنه كان بالإمكان النجاح، ولا يزال ممكنا الآن، لكن، من المؤهل لقيادته؟ ولو وجدت هذه القيادة الآن، فإنه بإمكاننا أن نحقق نسبة معقولة خلال ما تبقى من سنوات الخطة، لكن ليس بواسطة الاشخاص انفسهم، فهذا سيكون مستحيلا إذا ما ظل الاشخاص هم الاشخاص الذين يديرون هذا الملف، وقد يكون من المفيد الاستعانة بتجربة الامارات كمقارنة للزوم الاستدلال بها، فقد اطلعنا اثناء مشاركتنا في قمة الاجندة العالمية السابعة التي استضافتها دبي مؤخرا على تجربتهم الناجحة في التنوع الى درجة ان اعتمادهم على النفط قد وصل الى (30%) ويخططون الآن الى وصولها الى (7%) فقط قبل نهاية 2020، وقد صرح لنا وزير اقتصادها احمد المنصوري في لقاء جمعنا به على هامش تلك القمة أن الامارات لن تتأثر بالأزمة النفطية عكس بقية دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ذلك النجاح، إذن، لماذا لم تنجح بلادنا في سياسة تنويع بنية اقتصادها رغم ما تنص عليه رؤيتها الاستراتيجية 2020؟ تساؤل كان ينبغي أن يكون الشغل الشاغل لمجلس الشورى طوال السنوات الاربع الماضية، وكان ينبغي عليه تشكيل لجنة خاصة لمتابعة تطبيق سياسة التنويع الاقتصادية، وهذا لم يحدث من الجانبين، لا الحكومة ولا مجلس الشورى، فهل ينبغي أن يستمر الوضع كما هو عليه؟ الازمة النفطية الراهنة، وتفكير الفريق الاقتصادي والمالي في تحميل مجتمعنا تبعات هذه الأزمة، تعطينا درسا يجب أن يستفيد الكل منه، وهو ضرورة البحث عن شخصيات تنفيذية متخصصة ومؤهلة وغير معنية بلغة المصالح الاقتصادية ولا بمنظومة الدعم لقطاعات الصناعة والسياحة التي يبدو لنا انها تحاصر اي نقلة نوعية أو كمية في سياسة التنويع ،فمن سيتجه الى الزراعة مثلا التي لم تستهدفها سياسة الدعم السخية؟ علما بانها تتطلب طول صبر حتى تنتج عوائد ربحية، ومن وضع سياسة الدعم السخية التي تتخذ صور عديدة، المنح، القروض الميسرة وسنوات الاعفاء، والارض المجانية ، والبنية التحتية المجانية ... هم أنفسهم المؤثرون في سياسة الدعم وهم أنفسهم المستفيدون منها عبر شركاتهم المتعددة الاغراض، واحيانا المنتمية لجنسيات عالمية، فلنسارع فورا في البحث عن تلك الكفاءات لتشكيل الفريق رفيع المستوى الذي ينبغي أن يكون مختصا ومتخصصا بملف التنويع الاقتصادي ومرتبطا بالقمة السياسية وبمساءلة مجلس الشورى، لأن سياسة التنويع الاقتصادي لابد أن تكون منذ الآن ضمن اولويات تلك المؤسسات، وكل عوامل النجاح متوفرة، فكلما ذهبنا للنجد الظفاري، وتحديدا منطقة شصر، وشاهدنا نجاح تجربة بعض شبابنا في الزراعة، واكتشفنا مقوماتها المائية وصلاحية تلك المنطقة الشاسعة للزراعة، نتساءل، كيف لم تستغل هذه المنطقة الزراعية حتى الآن؟ وكيف تجاهلتها رؤية 2020؟ فكل المتخصصين افادوا لنا بأن هذه المنطقة يمكن أن تكون سلة غذاء الخليج كله، وشواهد نجاح مبادرات المواطنين هناك دالة عليها، فزراعة (الجح) وبعض الفواكة كالطماطم والجزر والباذنجان والشمام.. بكميات تجارية كبيرة قد حطمت الأسعار بعد منافستها نظيراتها المستوردة، بل أن هذه الاخيرة قد انسحبت من سوقنا المحلي اثناء موسمها، اين التقصير؟ هنا نجد انفسنا، نقول مجددا اننا نفتقد للرجال الذين يتطلعون لصناعة التاريخ لبلادهم، هم موجودون لكننا لن نجدهم ضمن منظومة المصالح الاقتصادية النفعية والمنتفعة من سياسة الدعم ، لزاما على بلادنا البحث عنهم عاجلا وليس عاجلا، وفق شروط الايمان بصناعة التاريخ الاقتصادي الجديد لبلادنا، ووفق مقومات ذاتية موضوعية كالمقدرة على التفكير الصحيح والقدرة على العمل على بلورة ايمانها في خطط وبرامج قابلة للتطبيق في آجال زمنية منظورة وليست في عالم الغيب، مثل سياسة تنويع مصادر الدخل التي لها عمر اربعة عقود، وفي مضامين لقائي مع المنصوري قد نكتشف السبب، وذلك عندما سألناه في عتاب مبطن عن سبب عدم استثمار الاشقاء في قطاع السياحة في بلادنا، فرده فيه ايحاءات بأن نطرح التساؤل على مسئولي بلادنا، وذلك عندما قال إن الدول الراغبة في جذب الاستثمارات هى التي تعرض لا الدول المستثمرة، واكد أن بلادنا إذا ما قدمت لهم خارطة بالاستثمارات السياحية المرغوب فيها، فإن الامارات على استعداد للاستثمار أو البحث عن مستثمرين، فمن اين نبحث عن هؤلاء الرجال؟ لن نجدهم في مخرجات اللوبيات الاقتصادية ولا المحسوبيات ولا وفق معايير اختيار النخب من المنظور الأسري التاريخي.. وإنما في الكفاءات التكنوقراطية والوطنية، فهل عرفنا مما تقدم، كيف نجحوا في شركاتهم وأخفقوا في وزاراتهم أو مناصبهم العليا ؟