واشنطن ـ عواصم ـ وكالات: اعاد تقرير مجلس الشيوخ الاميركي الذي كشف ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) استخدمت وسائل استجواب عنيفة وغير فعالة بحق معتقلين مرتبطين بتنظيم القاعدة، احياء الجدل حول التعذيب واثار موجة استنكار واسعة في العالم وصلت الى حد المطالبة بإطلاق ملاحقات جنائية.
وبعد حوالي ستة اعوام على رحيل جورج بوش عن البيت الأبيض، نشر اعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيون من لجنة الاستخبارات تقريرا استثنائيا يفصل البرنامج السري الذي ادارته السي آي ايه لاعتقال واستجواب أشخاص يشتبه في علاقتهم بالقاعدة، خارج إطار القضاء.
واعترضت السي آي ايه على الفور على نتائج التقرير الذي اعد بين 2009 و2012 والواقع في 525 صفحة مع 2725 ملاحظة في ادناها رفعت السرية عنها.
واتهمت اللجنة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية بين 20 خلاصة توصلت لها، باخضاع 39 معتقلا لتقنيات استجواب عنيفة وفي بعض الاحيان لا توافق عليها الادارة.
ويصف التقرير بالتفاصيل كيف استخدمت السي آي ايه تقنيات استجواب متشددة تكرارا طيلة ايام واسابيع". وقد ضرب المعتقلون بجدران وتمت تعريتهم ووضعهم في مياه مجلدة، كما منعوا من النوم طيلة فترات تصل الى 180 ساعة.
ومن هؤلاء المعتقل ابو زبيدة الذي تعرض لعمليات ايهام بالغرق وفي اعقابها "خرج الزبد من فمه"، وهو في حالة فقدان الوعي تقريبا.
اما خالد شيخ محمد العقل المتهم بالتخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 فقد تعرض لتقنية الايهام بالغرق خلال جلسات الاستجواب. وردا على نشر التقرير قال محاميه انه من غير المتوقع ان تصدر عقوبة اعدام بحق موكله خلال محاكمته المقبلة.
وفي الاجمال، فان 119 معتقلا اسروا وسجنوا في اطار هذا البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في مواقع اطلق عليها اسم المواقع "السوداء" في دول اخرى لم يتم تحديدها، ولكنها تشمل على ما يبدو تايلاند وافغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا.
والايهام بالغرق الذي استخدم ضد ثلاثة معتقلين لم يعد يستخدم بعد 2003، وانتهى العمل ببقية التقنيات في ديسمبر 2007. وقد الغى الرئيس باراك اوباما رسميا البرنامج لدى وصوله الى السلطة في 2009.
وجاء في خلاصة التقرير ان "تقنيات الاستجواب المتشددة للسي آي ايه لم تسمح بجمع معلومات مرتبطة بتهديدات وشيكة، مثل معلومات تتعلق بـ"قنابل موقوتة" مفترضة اعتبر الكثيرون انها تبرر هذه التقنيات".
ويتهم التقرير السي آي ايه ايضا بانها كذبت ليس على الجمهور الواسع وكذلك على الكونجرس والبيت الابيض، بشان فعالية البرنامج وخصوصا عندما اكدت ان هذه التقنيات سمحت بـ"انقاذ ارواح".
وقد ابلغ جورج بوش الذي كان رئيسا انذاك، في ابريل 2006 اي بعد اربعة اعوام بان معتقلين يتعرضون للتعذيب في سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية كما كشف تقرير مجلس الشيوخ.
وافاد تقرير اللجنة في صفحته الاربعين ان الرئيس الجمهوري السابق "شعر بالاحراج" عند مشاهدة صورة "لمعتقل معلق من السقف وارغم على التبول على نفسه".
وجدد باراك اوباما الذي وضع حدا لهذا البرنامج لدى وصوله الى السلطة في يناير 2009، القول ان هذه الوسائل "شوهت كثيرا من سمعة اميركا في العالم"، واعدا بالقيام بكل ما هو ممكن لضمان عدم تكرارها. واضاف "لا توجد امة كاملة، لكن احدى مكامن القوة في اميركا هي في ارادة المواجهة الصريحة لماضينا".
وجاء في خلاصة التقرير ان "تقنيات الاستجواب المتشددة للسي آي ايه لم تسمح بجمع معلومات مرتبطة بتهديدات وشيكة، مثل معلومات تتعلق ب+قنابل موقوتة+ مفترضة اعتبر الكثيرون انها تبرر هذه التقنيات".
واعادة فتح هذا الفصل الاسود من "الحرب على الارهاب" اثارت جدلا في الولايات المتحدة حول حدود الشفافية في اطار تصاعد المخاطر الارهابية المرتبطة بتنظيم داعش وحول فعالية التعذيب عموما.
ودعا مقرر الامم المتحدة حول حقوق الانسان بن ايمرسون الى اطلاق ملاحقات قضائية بحق المسؤولين الضالعين في هذه القضية. وقال "لقد تم وضع سياسة على مستوى رفيع في ادارة بوش اتاحت ارتكاب جرائم منهجية وانتهاكات فاضحة لحقوق الانسان العالمية".
لكن وزارة العدل الاميركية قالت ان الملف سيبقى مغلقا بسبب عدم وجود ادلة كافية.
ودعت منظمة الدفاع عن حقوق الانسان البريطانية "كايج" الى ملاحقات قضائية ايضا مؤكدة ان "هناك في التقرير ادلة واضحة تبرر فتح ملاحقات قضائية".
من جهته قال الرئيس البولندي السابق الكسندر كواشينسكي الذي استقبلت بلاده سجونا سرية للسي آي ايه، ان عمليات الاستجواب العنيفة بحق مشتبه بهم من قبل الوكالة الاميركية في بولندا توقفت اثر ضغوطات بولندية عام 2003 وانه "في البداية لم تكن بولندا تعلم بالتعذيب".
وفي الولايات المتحدة ندد المدير العالم للاتحاد الاميركي للدفاع عن الحريات انتوني روميرو بوقوع "جرائم بشعة" قائلا "انه تقرير فاضح ويتعذر قراءته بدون الشعور بالسخط لواقع ان حكومتنا قامت بهذه الجرائم الشنيعة".
وحاول عدة مدراء سابقين لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية القيام بحملة اعلانية لاقناع الاميركيين بان تقنيات سي آي ايه اتاحت انقاذ ارواح لانها سمحت باعتقال العديد من وصفهم بـ"الارهابيين" مثل خالد شيخ محمد.
وفي الكونجرس عبر الجمهوريون عن اسفهم لموعد نشر هذا التقرير. وعبروا عن مخاوف من ان تعطي هذه الشفافية حجة "لاعداء" اميركا وان تثير اعمالا انتقامية مثلما حصل بعد الكشف عن فضيحة سجن ابو غريب العراقي في 2004.
وقال مسؤول كبير في الادارة "نحن نراقب عن كثب شبكات التواصل الاجتماعي". كما ان القواعد العسكرية الاميركية في العالم وضعت في حالة انذار.
لكن السناتور الجمهوري جون ماكين اشاد بنشر التقرير.
وقال "الحقيقة يصعب تقبلها في بعض الاحيان. تضعنا احيانا في صعوبات في الداخل والخارج. وهي تستخدم في بعض الاحيان من قبل اعدائنا. لكن الاميركيين لهم الحق في معرفتها رغم كل شيء".