من الإصدارات العمانية

عرض ـ مبارك بن عبدالله العامري:
ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في استغلالهم لأوقاتهم ، فلا يكاد الواحد منا يسمع تلك القصص التي تحكي لنا عن كيفية أستثمارهم لأوقاتهم في العلم والعمل ، وقبل ذلك كله في العبادة لما يظهر فيها من جدهم واجتهادهم وجعلهم الآخرة نصب أعينهم وكتاب (هكذا كانوا قصص واقعية معبرة ومؤثرة) وضح فيه المؤلف أروع القصص والمواقف لهؤلاء العلماء والمشائخ الذين سطروا ملاحم البر والتقوى والإحسان والإصلاح على صفحات الحياة وأوراق الأحداث هذا الإصدار لمؤلف غسان بن محمد بن حارب الحبسي وصدر عن مكتبة الأنفال ويقع في (376) صفحة.
تطرق المؤلف عبر هذا الإصدار عن استغلال الوقت عند الإمام محمد بن تبدالله الخليلي: استغلال الوقت نعمة عظيمة ومن معرفة عجائب الحرص على الوقت واستغلال كل لحظة منه إنها قصة الإمام الرضي محمد بن عبدالله بن سعيد الخليلي رحمه الله تعالى وقد حدثت هذه الإعجوبة إبان إقامته بالقابل عندما كان ينهل من فنون العلم المتنوعة من العلامة الموسوعي الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى فتقف الآن على نبأ هذه الأعجوية كان من عادة القائم على شؤون المسجد في القابل بعد فراغه من صلاة العشاء أن يبقى في مسجده ذاك إلى أن يخرج جميع المصلين، وذلك لأجل أن يقوم بإطفاء السراج وإغلاق الباب، ومن عادته أيضا أن يبكر في الحضور لصلاة الفجر فيكون أول الداخلين إلى المسجد ، وذلك ليقوم بفتح باب المسجد المغلق وليؤذن لصلاة الفجر.
وفي ليلة من ليالي العلم والمدارسة قام الإمام الخليلي فور فراغه من صلاة العشاء مباشرة فقعد على السراج يقرأ شيئا من كتب العلماء، وطفق الناس يخرجون من المسجد الواحد تلو الآخر ، وما بقي في المسجد إلا بطل قصتنا وكذا القائم على شؤون المسجد والذي قعد ينتظر خروج الإمام الخليلي من المسجد ليقوم بمهمته اليومية ، فلما توانى يطل قصتنا في الخروج من المسجد قام ذلك الرجل على رأسه فبادره الإمام متسائلا: ماذا تريد؟ اريد أن أطفىء السراج.
وانا أريد أقرأ وأطالع هنيهة من الوقت، وسأكفيك إطفاءه إن شاء الله، فخرج ذلك الرجل من المسجد مبكرا كعادته ليقوم بفتح الباب كذلك، نعم ذهب الرجل إلى بيته لينام ليلته تلك، وبطل قصتنا الإمام الخليلي رحمه الله في المسجد يقرأ ويطالع، والبرد شديد، والليل طويل، وقبيل طلوع الفجر بقليل نهض المؤذن القائم على شؤون المسجد من نومه، وذهب إلى المسجد ليؤذن وليفتح المسجد ، وهناك رأى عجبا أدهشه، لقد رأى الإمام الخليلي رحمه الله ما يزال يقلب صفحات كتابه قارئا ومطالعا، فعلاه العجب، واستولت عليه الدهشة، وربما ثارت في نفسه تساؤلات شتى أيمكن أن يكون الإمام الخليلي قضى الليل الطويل كله في مدارسة ومطالعة الكتب ؟ أيمكن أن ترتقي الهمة برجل فيقضي ليلة طويلة من ليالي الشتاء الباردة في القراءة وطلب العلم دون أن تكتحل عيناه بلذيذ المنام؟ وهذا ما وقع فعلا، فقد توجه إلى الإمام ووقف على رأسه، فرآه بطلنا فتعجب وعلته الدهشة ، رفع الإمام بصره إلى المؤذن قائلا: قلت لك أنا أكفيك إطفاء السراج، فاذهب أنت فقال المؤذن: لكن يا سيدي ذهبت فنمت في بيتي، والآن جئت لصلاة الصبح فقال بطلنا: سبحان الله! ما شعرت بمرور الوقت وذهاب الليل ثم ترك الكتب وقام للصلاة.
إن في استقراء أحوال الصالحين ومدارسة سيرهم وتاريخهم لذة لا تعادلها لذة وحلاوة لا تنافسها حلاوة كيف والمرء يقتبس من طياتها العبر، ويستجلي من أحداثها الععظات ، ويستلهم من وقائعها الدروس وأشار مؤلف هذا الإصدار عن دور الشيخ حمود الصوافي في العلم: في إحدى المرات ألقى الشيخ على طلابه مسألة لغوية تتعلق بالأعراب، وطلب منهم الإجابة على سؤاله، ومن عادة الشيخ أن يعطي طلابه الفرصة الكافية للتفكير والبحث قبل الإجابة، ومن عادة الطلاب أن يتسابقوا في الإجابة على سؤال الشيخ طبعا بعد التفكير والبحث والتقصي ، ولكن في هذه المرة حدث أمر على خلاف العادة، أتدرون ما هو أيها الكرام ؟ قعد الشيخ ينتظر منهم الإجابة ولكن يا للعجب! لقد تأخر طلاب الشيخ في الإجابة على سؤاله على خلاف العادة فمضت الساعة والساعتان ، بل وامتدت إلى أيام ولم يأت الطلاب بالإجابة فماذا يصنع الشيخ أمام هذا الأمر المحدث؟ وكيف يتصرف؟ لأن الشيخ من رجال الآخرة، ولأنه كثير المحاسبة لنفسه، فقد قام بمحاسبة نفسه نعم لقد اتهم الشيخ نفسه فقال متهما نفسه: إن الطلاب ما صنعوا ما صنعوا إلا بذنب أذنبته، فظهر شؤم هذا الذنب في طلابي فبدأ الشيخ يحاسب نفسه: ماذا صنعت؟ وماذا أحدثت؟ فلم يجد الشيخ شيئا يذكر، ومن شدة وقع هذا الأمر على شيخنا حفظه الله أنه قام بجمع طلابه وقال لهم: إن رأيتم في خطئا أو عيبا فقوموني ونبهوني عجبا عجبا! مأ أشد محاسبتك لنفسك يا شيخ! ونسأل أنفسنا يا أيها الأخوة القرأء متى كانت آخر مرة حاسبنا فيها أنفسنا؟ اللهم سلم سلم إن هذا الموقف المشرق من حياة الشيخ إنما هو رسالة غير مباشرة إلينا نص هذه الرسالة كالتالي: أيها المؤمنون، لاتنسوا أنفسكم من المحاسبة والمراقبة، فإنهما كفيلان برد الشارد إلى الطريق القويم، والغافل إلى الجادة السواء، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
وتناول مؤلف هذا الإصدار عن روائع أبي زيد الريامي من المواقف الباهرة والقصص الشائقة التي تروى عن الشيخ العلامة أبي زيد الريامي عليه شآبيب الرحمة وسحائب الرضوان في محافظته على المال العام ، واستغلال كل مورد من موارد الطبيعة في تشمير بيت مال المسلمين إيان توليه على بهلا الموقف التالي وقعت عيناه ذات يوم على ماء الفلج يفيض في أرض خاليه، فقال: هذا من إضاعة المال ، فماذا يصنع الشيخ وهو الحريص على تنمية المال العام وتثميره؟ لقد أمر أن يغرس الموز في هذه الأرض التي يفيض فيها الماء ولماذا أختار الشيخ الموز تحديدا؟ أنه يحتاج عناء، لقد نشأ بقدرة الله تعالى شيء كثير من ثمر الموز ، ثم أن الشيخ ـ رحمه الله ـ وكل رجلا يقوم بمراقبة الثمر، وبيعه لمصلحة بيت مال المسلمين، الله أكبر، أي حرص هذا على تنمية بيت مال المسلمين؟ وأي مبادرة هذه للقيام بكل ما فيه تثمير للمال العام؟ كان شيخنا رحمه الله يستغل كل مورد من موارد الطبيعة في زيادة ريع بيت المال، أرايتم استغلالا لخيرات الله تعالى فيما يعود بالنفع على أمته ومجتمعه كهذا نعم هكذا كان أسلافنا فهل سرنا على طريقهم.
وعبر هذا الإصدار المتميز العديد من المواقف والقصص المعبرة والمؤثرة لهؤلاء العلماء الذين عرفوا قيمة الآخرة عن قيمة الدنيا الفانية.