محمود عدلي الشريف:
.. وما زلنا ـ إخوة الإيمان والإسلام ـ نتأمل الوسيلة التي انتقل بها النبي ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ من مكة إلى بيت المقدس، ومن الممكن أن يطوي الله الأرض فيصبح بيت المقدس متصلاً بمكة ويخطو محمد خطوة واحدة ثم تعود الأرض إلى وضعها الطبيعي فيصبح الرسول ببيت المقدس .. والمهم أن وسائل الله سبحانه وتعالى كثيرة لنقل محمد من مكة إلى بيت المقدس في لحظة من الزمان. لو شاء لطوى الأرض لرسوله (صلى الله عليه وسلم) في ليلة الإسراء، ولكنه تبارك وتعالى حمله على البراق الذي لم يكن يركبه أحد من بني آدم سوى الأنبياء، وكان جبريل مصاحباً للنبي (صلى الله عليه وسلم) .. وفي هذا من الاعتناء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) والتشريف والتكريم له ما لم يحصل مثله لأحد من البشر.

ومما يظهر لنا مكانة وعظمة رسولنا العظيم حتى نتمسك بهديه الكامل والمتكامل، ونحن الآن في ظل حملات التكذيب والتشكيك، وحتى نربي أولادنا على هذا الإيمان الراسخ واليقين المتين.

فانظروا ـ أمة الإسلام ـ إلى مكانة نبيكم العظيم (أخذ جبرئيل بيدي حتّى انتهى بي إلى سقاية زمزم فقال الملك: ائتني بنور من ماء زمزم ومن ماء الكوثر، فقال: توضأ فتوضأت ثمّ قال لي: انطلق يا محمّد. قلت: إلى اين؟ قال: إلى ربك ورب كل شيء، فأخذ بيدي وأخرجني من المسجد فإذا أنا بالبراق ـ دابة فوق الحمار ودون البغل ـ خدّه كخد الإنسان وذنبه كذنب البعير وعرفه كعرف الفرس وقوائمه كقوائم الإبل وأظلافه كأظلاف البقر وصدره كأنه ياقوتة حمراء وظهره كأنه درة بيضاء عليه رحل من رحائل الجنة، وله جناحان في فخذيه يمر مثل البرق خطوة منتهى طرفه فقال لي: اركب، وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام. قال: فلما وضعت يديّ عليه شمس واستعصى عليّ، فقال جبرئيل: مه يا براق، فقال البراق: يا جبرئيل ـ مس ظهري ـ فقال جبرئيل: هل مسست ـ ظهرا ـ قال: لا والله إلّا إني مررت يوما على ـ نصاب إبل ـ فمسحت يدي على رؤوسهما، وقلت: إن قوما يعبدونكما من دون الله ضلال. فقال جبرئيل: يا براق أما تستحي فوالله ما ركبك مذ كنت قط نبي أكرم على الله من محمد (صلّى الله عليه وسلّم) قال: فارتعش البراق وأنصب عرقًا حياء مني، ثمّ خفض لي حتى لزق بالأرض، فركبته واستويت عليه .. الحديث). (تفسير الثعلبي المسمى الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 56).

هذا مكانة نبينا (صلى الله عليه وسلم) وتكامل ديننا، وهذا ما يعلمه أعداءنا ولهذا لا ينجو الإسلام من كيد حساده وظالميه فهم يتابعون الحملات الشرسة واحدة تلو الأخرى، ويؤكد هذا ما رآه رسولنا في معجزة الإسراء (.. حينا أنا في مسيري إذا جاءني نداء عن يميني قال: يا محمّد على رسلك أسلك بقولها ثلاثا فلم أرفق عليه ثمّ مضيت حتّى جاوزته، فإذا أنا بامرأة عجوز رفعت لي عليها من كل زينة وبهجة تقول: يا محمّد إليّ، فلم ألتفت إليها وقلت: يا جبرئيل من هذا الذي ناداني عن يميني؟ فقال: داعية اليهود والذي نفسي بيده لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك والذي ناداك من يسارك داعية النصارى، والذي نفسي بيده لو أجبت لتنصّرت أمتك من بعدك، فأما التي رفعت لك بهجتها وزينتها فهي الدنيا لو التويت إليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة) (المرجع السابق (6/ 56)، و(شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (8/ 85).

ولهذا وجب علينا أن نتسلح بديننا وتديننا، ومما يطأطئ الرأس خذلانا أننا نجد بعض المسلمين يتكاسلون عن أداء ما افترض الله عليهم وخاصة الصلاة، وليعتبر هؤلاء بما ذكرته بعض الروايات عن عقاب هؤلاء، (ثمّ أتى على قوم يرضخ رؤسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيئا. قال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة) (تفسير الثعلبي المسمى (الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 57)، وأولئك الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام، يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد) (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (8/ 87).

تأملوا معي ـ أمة الإسلام ـ حال الناس في هذا وقد ظهر فيهم الأوجاع لم تكن ظهرت فيمن قبلكم، وها نحن نعاني من وباء وجائحة كورونا (كوفيد ـ 19) منه ومن أولاده الذين انبثقوا، كلما اخترعوا له لقاح خرج لهم نوع جديد، أليس نتاج طبيعي لما يتجاوز به البعض من معاصي وكبائر جسام من شرب للخمر وأكل للربا وزنا، وهذا الأخير الذي يكاد الذي استحله البعض، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك، كيف تسول لهم أنفسهم وتسمح لهم ضمائرهم ليهتكوا الأعراض ويطرحوا بإيمانهم عرض الحائط.

انظروا ـ أمة الإسلام ـ إلى ما رآه رسولنا في رحلة الإسراء من عقاب لهؤلاء، (ثمّ أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج طيب ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب، قال: ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هذا الرجل من يكون عنده المرأة حلالًا طيبًا فأتى امرأة خبيثة فيبيت معها حتّى يصبح، فالمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيبًا فتأتي الرجل الخبيث فتبيت معه حتّى تصبح) (تفسير الثعلبي المسمى الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 57).

ولعل التقييد بذلك لأنه الأغلب، والمراد الزنا، وإن لم يكن بيات حتى الصباح، ويؤيده أن الحافظ اختصر الحديث بقوله: (قال: هؤلاء الزناة)، كذا في (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (8/ 88).

وانظروا ـ أمة الإسلام ـ إلى القضايا التي ملأت المحاكم معظمها من تضييع الأمانات، وقد رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عاقبهم ليرتدع هؤلاء (ثمّ أتى على رجل جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال: ما هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا الرجل من أمتك عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يزيد عليها) (تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 57)، وفي (فتح الباري: حزمة حطب، عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، أي: يضم إليها غيرها، قال: ما هذا يا جبريل؟، قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده، أي: في جهته، أمانات الناس، لا يقدر على أدائها، أي: الخروج من عهدتها، فدخل فيها ما تحت يده كوديعة، وما وكل على بيعه، وما تحت يده من مال يتيم ونحوه، وما فوض إليها كإمامة، وخطابة وغيرهما من المناصب الشرعية، مما لا يوصف بكونه تحت يده حسا، وهو يريد أن يحمل، أي: يزيد عليها ما يحتاج إلى حمله معها، مع عدم قدرته على حمل الأولى) (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (8/ 88).

.. وللحديث بقية.



*[email protected]