[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
للوهلة الأولى تذهب أغلبية الرأي العام إلى تصورات غير منطقية عند الحديث عن ضغط الإنفاق بمعنى ترشيده، وتصور ذلك على أنه سياسة تقشف هدفها إعادة ترتيب أولويات حاجات المواطنين بهدف شطب بعضها وإلغائها نهائيًّا من قائمة الحاجات التي ينبغي تلبيتها، وأنه يراد بها على وفق هذا التفسير الخاطئ حرمان المواطنين من بعض متطلبات حياتهم اليومية.
لا شك أن هذا المفهوم المضلل يعود بالدرجة الأساسية إلى التشبع الحاصل للنزعة الإسرافية وكأنها قدر لا بدّ منه، كما يعود ذلك أيضًا إلى السياسات الإعلامية الرائجة بدعوى السعي إلى الرخاء، كما أنها ومن ذات الاتجاه تمثل جهلًا لدى بعض المحللين للشؤون الاقتصادية بهذا المفهوم، فضلًا عن أنه أسلوب للتحريض والخلط بين التعريفات لأغراض معينة وليس من أجل توضيح الحقيقة كما هي.
إن هناك خطًّا فاصلًا واضحًا وإن كان رفيعًا بين مفهومي التقشف في إطار المعالجة الإنقاذية الطارئة وبين الترشيد بمعنى ضغط النفقات، فأغلب حالات التقشف تعتمد بعد حصول انهيارات اقتصادية معينة نتيجة كوارث طبيعية أو إخفاق إداري وتنظيمي في الخطط التنموية أو لنقص معين في المصادر التمويلية لأسباب طارئة، ويتخذ التقشف منحى أوسع عندما تكون هناك تراجعات في الجوانب الأمنية والاستقرار الاجتماعي، أو بسبب انخفاض الموارد المالية التي تأتي بهيئة ريع عام من مبيعات مواد أولية أو مصادر الطاقة.
وبنفس الحال يكون المنهج الخاص بالترشيد وضغط النفقات نتيجة هذه الأسباب نفسها مع تفاوت في تأثيرها من حالة إلى حالة أخرى، وينظر إلى هذا النوع من الترشيد وضغط الإنفاق العام أي تحجيمه إلى أنه حل لا بدّ منه إذا أريد للتنمية أن تأخذ فرصتها الحقيقية من الاستمرار.
وتأسيسًا على ذلك، من الخطأ الجسيم أن ينظر إلى ضغط الإنفاق أو الترشيد بأنه يمثل ضررًا لأحوال المواطنين إذا أخذنا بحقيقة أن هذا النوع من التوجهات الاقتصادية أصبح أمرًا ضروريًّا في الأحوال القائمة في جميع بلدان العالم بدون استثناء من منطلق أن هناك واجبات أخلاقية تقتضي بالمواطنين والدول الاتجاه إلى الترشيد بعد سنوات طويلة من الإسراف والنزعات الاستهلاكية المفتوحة التي لا يمكن لها أن تتوقف ما دامت هناك آليات للابتكار الصناعي أو ما يسمى بالأجيال المتعاقبة من السلع، وفي كل سلعة منها يوجد تطور معين يدفع المستهلكين إلى الوقوع في فخ الاقتناء المتجدد.
لقد تبنى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) فكرة العمل بموجب أخلاقيات لتصحيح المسارات الاقتصادية داخل الدول أو في العلاقات بينها لمواجهة التحديات المتفاقمة، ووضع الترشيد أحد المفاتيح الأساسية لهذه الأخلاقيات التي من المنتظر أن يؤكد عليها خلال مؤتمره القادم عام 2016.
ومن النتائج الإيجابية الأخرى لضغط الإنفاق وترشيده أنه يقلل بالتأكيد من اتساع وباء الفساد المالي، إذ مع ضغط الإنفاق وترشيده تكون السيطرة لمنع الفساد ونشر قيم الشفافية أمرًا سهلًا نسبيًّا، لأن إحدى قنوات الترشيد تكمن في تقنين للسيولة المالية التي تصرف على عموم المشاريع، ثم كيف يمكن أن تربي أجيالًا على القناعة والوسطية في الصرف إذا لم يكن الترشيد عنوانًا للمنهج الحكومي العام، بل ولمنهج الدولة والمجتمع، خاصة مع وجود هامش واضح على صعيد العالم من تراجع حجم الموجودات الاقتصادية سوى أن كان ذلك في الطبيعة والتي تأتي من نتاج تنموي معين.
إن نجاح أي بلد في ضغط الإنفاق وترشيده يتطلب بالضرورة أن تكون هناك إرادة مشتركة على الصعيدين الحكومي والمجتمع في إدارة الموارد على أساس متطلبات التنمية، أية تنمية، وكذلك على أساس السلوك اليومي للأفراد والمؤسسات المدنية بروح تضامنية مما يبعد البلد، أي بلد من الوقوع تحت طائلة تفاقم الحاجات وما يتبعها من تأزم وافتقاد للأمن المجتمعي.
على العموم، إننا في البلاد العربية بدون استثناء بحاجة ماسة إلى ثقافة الترشيد وتحويلها إلى سلوك يومي، الوضع الذي يكفل حتميات تقليل الفوارق الطبقية ويديم فرص الانضباط الاقتصادي الذي تحول إلى حاجة أساسية في الوقت الحاضر.