د.صالح بن سعيد الحوسني:
من المواقف المألوفة والتي نعايشها بين الحين والآخر قضية التأخير عن المواعيد، فهذا يخبرك بأنه سيصل إليك في الساعة التاسعة فيصل في التاسعة والنصف، وثانٍ يتأخر عن الوصول إلى مقر عمله بشكل متكرر ومن غير عذر مقبول، وثالث يصل إلى موعده مع الطبيب ويجد أن موعده قد فات، ورابع يصل الإهمال عنده أن يهمل سدد حقوق الناس في موعدها ويؤخر دفع التزاماته الشهرية المتكررة، وخامس يؤخر أداء صلاته وزكاته عن موعدهما .. وهكذا تتكرر هذه المشاهد عند بعض الناس مسببة لهم ولمن يتعاملون معهم الكثير من الضرر.

وإذا أردنا أن نقف مع تداعيات هذه الظاهرة فلها جملة أسباب منها عدم إدراك البعض لقيمة الوقت الثمين فلا يختلف في نظره تقدم أو تأخر، ومنها البيئة التي ينشأ بها بعض الناس بداية من الأسرة التي يرى فيها الواحد أول ما يراه أبوين لا يعرفون للوقت شأنًا أو مكانة، ومنها كذلك الإهمال والكسل الذي تغلغل في بعض النفوس فلا تحركه همة ولا تستثيره عزيمة، وأيضا كراهية العمل وعد الارتياح له وهو ما يدفع النفوس لتأجيله أو تركه مع أهميته، وقد يضاف لهذه الأسباب كذلك تعدد الأعمال وتكاثرها بطريقة يصعب علي الواحد أن يلتزم بكل مواعيده والتزاماته فيفرط في بعضها على حساب بعضها الآخر .. وهكذا.

وهذه الظاهرة المزعجة لها أثرها السلبية على الفرد والمجتمع، فالمتلبس بإهمال المواعيد والتأخر فيها عادة يتأخر في انجاز أعماله وقد يطوي الإهمال بعضها فتمر من غير انجاز وهو ما يتسبب في التقصير في حقوق من حوله من الأقربين أو الأبعدين، وقد يُلمز بصفة التأخير في مواعيده فتكون هذه الصفة نقطة سلبية في شخصيته؛ ناهيك عن قلة انجازه وبطء تقدمه، وفوق كل هذا ما قد يسببه هذا الإهمال والتأخير من ضرر للآخرين كما قال تعالى محذرا من هذا الوصف:(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا).

ولك أن تتخيل ـ عزيزي القارئ ـ ما تحمله هذه الظاهرة من جوانب سيئة على انجاز الأعمال عندما يؤخر موظف انجاز معاملة في موعدها، أو يتأخر عن الوصول لمقر عمله، أو يتأخر عن الوصول لموعد اجتماع حدد له وقت معين، فهنا تتضاعف الخسائر وتتكبد المؤسسات الكثير من الضرر بسبب ذلك، وهناك أمر خطير في القضية وهو أن بعض المتأخرين يحاول تعويض تأخره بالاستعجال في سيره فيزيد من سرعته ويرهق نفسه ويزيد من توتره محاولا اللحاق بموعده المقبل وقد يكون ذلك سببًا لوقوع بعض الحوادث المؤسفة والمؤلمة، دعك من حالة الإنسان النفسية وهو يشعر أنه متأخر على من يعامله من الناس سواء من أهل بيته أو من بقية الناس فهو عادة يتعامل بضجر وسرعة انفعال واستعجال.

ونقف هنا مع المحطة الأخيرة من هذه القضية المهمة وهي طرق علاج هذه الظاهرة ومكافحتها ولنبدأ أولا بالتربية الأسرية الجيدة القائمة على احترام الوقت وتقديره ورسم الخطط الواضحة للسير في هذه الحياة، والتي يكون معها التوجيه السليم والإرشاد البّناء للمقصر والمتهاون حتى تصبح مسألة الوقت قضية فاصلة وخطًّا لا يسمح في قانون الأسرة بتجاوزه، ومن ذلك أيضًا إعداد قائمة بالأعمال اليومية التي يتطلب على الإنسان القيام بها من صباحه إلى وقت منامه مشتملة على الأهم فالمهم حتى لا يقع النسيان في شيء منها، وذلك لأن الكتابة أمر يرتب ما ينبغي أن يكون من حقه التقديم ويذكرك بمواعيدك حتى لا تفوت أو يقع نسينها ويمكن هنا الاستعانة بالمفكرات الورقية أو الالكترونية والتي يكون فيها بعض التنبيه عند حلول الوقت لتتهيأ لها في ميعادها الصحيح، وهذا كله طبعا مع الاستيقاظ المبكر الذي هو عامل من عوامل الانجاز والنجاح في هذه الحياة ـ كما قال معلم البشرية (صلوات الله عليه):(بورك لأمتي في بكورها)، فوقت الصباح الباكر من أهم الأوقات لقضاء الأعمال وبه يصل الجسم لأوج قواه الجسدية والعقلية يضاف لذلك هدوء الذهن وراحته وهو ما يسارع لقضاء الكثير من المشاغل والمواعيد اللازمة، وبجانب الاستيقاظ المبكر أيضا النوم المبكر حتى يأخذ الجسد حقه من الراحة فينهض الشخص لأشغاله بهمة ونشاط وخفة مع الابتعاد عن السهر قدر الإمكان إلا للضرورة، بالإضافة إلى ما سبق ينبغي للإنسان ألا يرتبط بمواعيد أو التزامات إلا إن كان قادرًا على الوفاء بها، وإن وقع له ما يمنعه من إتمام التزامه اعتذر لصاحبه مبديًا له ما صرفه عن تأخره عن ذلك، وأخيرًا النصيحة لمن أدمن الوقوع في هذه الظاهرة ومساعدته على العافية منها.

* مدير دائرة شئون الحج