كثيرا ما نسمع في أحاديث السمر أو السهر من يستهل ذكر حادثة يرويها بقوله: خَطْرة ... كنت في الطريق ، أو في سفر . كما نسمع من كلام الناس في المدن والقرى الشاميّة من يردد عند التوديع لفظة " خاطركم " أو " بخاطركم " ، فهل نعد هذا من اللغة بمرتبة قولنا " أدلى فلان بتصريحات خطيرة " ؟ أو مثل استخدامنا لعبارة " خطر الموت " التي تكتب عادة حيث يخشى حدوث تماس كهربائي ؟ ثم ما صلة هذا كله بقولنا مثلا : خطرت ذكراك ببالي فهفا إليك القلب ؟
إن من معاني لفظة الخطر في اللغة : الرَّهْن بعينه ، وهو غالبا ما يكون ذا قيمة ، ولذا يتراهنون عليه ، وأصله أنهم كانوا يضعون للمتراهنين أو المتسابقين خطرا ، ثوبا أو نحو ذلك ، والسابق إذا أحرز القَصَبَة عُلم أنه قد أحرز الخطر ، أي الرهن ، والمُخْطِر : الذي يجعل من نفسه خطرا لقِرنِه ، أي غرضا يؤخذ ثم يبارزه ويقاتله ، ولعل معنى الخطر الذي يجزع منه من هنا جاء ، فقالوا : الخطر : الإشراف على هَلَكَه ، وخاطر بنفسه يخاطر ، أي أشرف على الهلاك .
أما لفظة " بخاطركم " في التوديع فهي فصيحة الأصل جاءت من المكانة والقدر ، فالخطير من كل شيء : النبيل ، أي ذو القدر والمكانة ، وهذا خطير لهذا ، وخطر له ، أي مثل في القدر ، ولا يقال إلا للرجل الشريف ، ومنه الحديث : ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عوض عنها ولا مثل لها . وهكذا تكون لفظة " بخاطركم " قد جاءت على حذف واختصار أي بإذن من مكانتكم ، أو استأذن جلالة قدركم ، أو أمضي بموافقتكم ورضاكم زادا في الطريق ... أما لفظة الخطرة التي تعني المرة ، أو تدل على زمن ، فيبدو أن أصل معناها مأخوذ مما يدل على الحركة والاضطراب من هذه المادة ، فالخاطر مثلا هو المتبختر عند الصولة والنشاط والخيلاء والخاطر هو الهاجس، أو ما يخطر على القلب من أمر ، وخطر الشيء ببالك وعليك يخطر ( بضم الطاء وكسرها ) خطورا إذا ذكرته بعد نسيان . ومن يقولون : ما ألقاه إلا خطرة بعد خطرة ، أي في الأحيان بعد الأحيان ، وكأنه في غياب وظهور ، أو مجيء وذهاب كخطران الرمح في ارتفاعه وانخفاضه للطعن ... ولعل استخدام لفظة " الخُطَّار " بمعنى الضيوف ، في بعض مناطق عمان الحبيبة قد جاءت من دلالة الظهور بعد غياب ، وعلى هذا قول الشاعر وقد خطرت بباله صاحبته :
بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعا والعيس تهوي هويا
خطرت خطرة على القلب من ذكراك وهْناً فما استطعت مضيا

أما العبارة الشائعة كثيرا في الأخبار ، أي تصريحات خطيرة ، فلا تعني في الأصل الإفزاع والإخافة ، إنما تنطوي على معنى القيمة والمكانة العالية ، وهي بما لها من حظ في الاستخدام الفصيح كغيرها مما سبق ذكره من الألفاظ تنحدر من أصل لغوي واحد كما يثبت التتبع والاستقصاء .

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
أستاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]