على الرغم من كل المحاولات التي كانت تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في عمان من خلال شراء ذمم بعض من ضعفاء النفوس، استغلالا لبعض المواقف التي يسعى أفراد المجتمع تسجيلها، مطالبة بتحسين الخدمات التي تقدمها بعض الاجهزة الحكومية الخدمية، الا ان كل تلك المحاولات تصطدم دائما بحكمة المعالجة وسمو النهج الذي تدار به البلد منذ 44 عاما والتضحية بالحكومة جزء منها او جميعها اذا كان طرف المعادلة المجتمع الذي يدرك تماما انه يعيش في بلد اختصه الله ليعلم البشرية مفهوم التسامح والتعايش، لأنه البلد الذي شرف بدعوة سيدنا محمد عليه افضل الصلاة السلام حينما لم تكن هناك دول كثيرة معروفة في الجزيرة العربية مع بداية ظهور الإسلام.
واذا كان البعض لايزال يتساءل عن السبب الحقيقي وراء استقرار عمان وعلاقتها الجيدة والمتميزة مع الجميع قريبهم وبعيدهم وانتهاجها أسلوب عدم التدخل في شؤون الاخرين واحترام رغبات الشعوب في التغيير، فان الاجابة على ذلك التساؤل تكمن في شخص جلالة السلطان قابوس ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أدرك منذ فترة بحسه الانساني ان رسالته تقتضي منه التضحية بسعادته لاسعاد شعب كان قبل مجيئه يحلم بان يرى النور في الطريق الذي يمشي عليه ، وفي عقله الذي كان يغطيه ظلام دامس من الجهل والتخلف على الرغم من حضارة وتاريخ البلد الذي يعيش فيه، فملامح عمان اليوم والغد الذي كان يريدها السلطان قد حددها في أول خطاب له بعد توليه مقاليد الحكم في عام سبعين، عندما اعلن بانه سيعمل بأسرع ما يمكن لجعل الشعب يعيش سعيدا مستمدا ذلك من شهرة وقوة عمان في الماضي، متطلعا باتحاد الشعب معه لاعادة عمان الى ما كانت عليه في الماضي وأن يكون لها محلها المرموق في عالمها العربي وأن يشرق عليها وعلي شعبها بعد الظلام فجر جديد ، الفجر الذي نعيشه في وقتنا الحاضر بكل تجلياته وأبعاده.
وحتى يحقق الوعد الذي قطعه آثر السلطان المجتمع على نفسه وتجرد من كل العوامل التي يمكن ان تؤثر على النهج الذي رسمه لقيادة شعبه، فكان القرار في عمان في يد رجل واحد تحمل خارطة الوطن وترسم ملامحها وتتابع أدق تفاصيلها على الرغم من مساحتها الشاسعة وتضاريسها الجغرافية الصعبة ، خلافا لقيادات المنطقة العربية التي تتأثر قراراتها بالدائرة المحيطة بها من زوجة وأبناء وأقرباء فيجانبها الصواب نتيجة تعدد الآراء والتوجهات التي تؤدي في النهاية الى زعزعة الامن الاستقرار والتنازل عن بعض المباديء من اجل الحفاظ على التوازن في قيادة بلادهم الى بر الامان، فجلالة السلطان ـ حفظه الله ـ الشخصية الوحيدة النادرة التي لا اعتقد أنها ستتكرر في تاريخنا المعاصر او الذي يليه لماذا؟ لانها احتوت الجميع واسرت قلوب الصغير قبل الكبير وفرضت احترامها ليس في محيطها العربي فقط وانما في المجتمع الدولي باسره.
اذا سر استقرار عمان وأمنها وأمانها في حكمة السلطان الذي أراد أن يكون أبا وأخا وعما وخالا وابن عم وابن خال لكل العمانيين ، لكي تكون المسؤولية مبنية على صلة قرابة الإيثار فيها للجميع ، عكس ما يحدث لدى البعض ممن يؤثرون الدائرة المغلقة التي تمثل عائلتهم الصغيرة على أفراد المجتمع في كل شيء بدءا من توزيع الثروة والمناصب القيادية ومشاركة حق الناس في الخدمات العامة، فضلا عن أسلوب الاستعباد الذي ينتهج والحقوق والتي تنتهك، فعمان لأنها تاريخ وحضارة لا تبحث عن بطولة كما يفعل البعض على حساب أمن وتعاسة شعوبهم وشعوب الدول الأخرى، عمان رسمت لنفسها خطا مغايرا فقرأت العقلية الغربية بشكل صحيح فنأت بنفسها عن الدخول في أوحال ومنزلقات تفتيت الأمة والمنطقة ، وبذلك حافظت على استمرار استقرارها الأمني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي من خلال فكر غرسه السلطان في المواطن العماني لا اعتقد أنه سيتغير خلال عقود قادمة .

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]