إعداد ـ عبدالفتاح بن محمد بن تمنصورت:
عزيزي القارئ .. عزيزتي القارئة: الاستماع والانصات الشديد والانتباه والإدراك هذه عمليات ارتقائية أولى لكي يتحدث الطفل بطلاقة فيما بعد، وإذا حدث خللٌ في هذه البداية لا بدَّ أن تكون العواقب غير مرغوبة فالطفل أولاً يستمع وينصت، إذا كان يبكي وجاءت إليه أمه تحنو عليه وتهدهده وتغني له فسيهدأوسينصتُ.

إذن الإنصات أول مراتب السمع وليس البصرثمَّ رويدًا رويدًا يُدْرِكُ المحسوسات ببصره حينما يدرك أنَّ هذا وجه الأم يتم ذلك في نهاية الشهر الثاني أو الشهر الثالث، ثمَّ تبدأ المعالجة المركزية عبر المخ بترجمة الملامح أنَّ هذا وجه أمه فيضحك لها ويبتسم لها وهذا نسميه (الصوشيال صمايل) أو تسمَّى (الابتسامة الإجتماعية)، فعرف أنَّ هذا الوجهَ هو الوجه الذي يأتي له بالحنو والوجه الذي يأتي له بالغذاء وهذا الوجه الذي يقضي له حاجاته هذا الوجه الذي يحتضنه ويداعبه ويلاطفه، فكيف يُسْتبدلُ هذا كله بآلاتٍ جامدةٍ ليس لها مشاعر وغير مرئية لهذا الطفل فالطفل يسمع أصواتًا مشوَّشة يرى إبهارًا ضوئيًّا مُلَوَّنًا يبعده تمامًا عن المعادلة المركزية صوت الأم يختفي أويتعطل، المعادلة المركزية لوجه الأم وملامح الأم تتعطل وتتشوه بما يراه.

إذن هذا فساد للبيئة والفطرة الطبيعية التي فطر الله الناس عليها وهكذا يظهر الفساد بأن يبتدئ هذا الطفل يخرج عن المسار التطوري الارتقائي من طفلٍ ناضجٍ إلى طفل عنده تعطلٌ في مهارات الانصات، طفل عنده تعطل في مهارات الإدراك، طفل عنده تعطل في مهارات النطق والتواصل مع الأم.

ثمَّ تبدأ رحلة طويلة شاقّة لهذا الطفل وأهله مع الأطباء و مع الفحوصات يظنون أن الطفل لا يسمع لأنَّ الأم تناديه فلا ينتبه لها. ذلك لأنَّ الطفل تعوَّد أن ينتبه إلى صوت الموسيقى للإيقاع وقد أثبتت الأبحاث العلمية أنَّ هناك شريحة من هؤلاء الأطفال يتجه انتباههم الإدراكي الإنتقائي إلى النغم وإلى الموسيقى ولا يتجه إلى الصوت عندما يُنادى بإسمه.

فثلة من الأطباء يردون ذلك إلى الأم إذْ خرجتْ عن المسار الذي خلقه الله سبحانه وتعالى له ويناشدونها بالعودة إلى (الكاتالوج) الإلهي ذي الشعار (لله في خلقه شؤون)، وفيه أن تتحدثي إلى طفلك وهو في الرحم فيستمع إليك ويأنس إليك ويهدأ ويطمئنُّ وحينما يخرج إلى الحياة يجد صوتك الحاني وغنائك اللطيف الرقيق فتستطيع أذنه الصغيرة وسمعه المركزي أن يُعالجا صوتك ويُصدرا المعاني ويختزلا الحروف والأصوات ويتكون عنده الكلام.

الكائن البشري في تطور وارتقاء راقٍ لن تستطيع أية عقليةٍ على وجه الأرض مهما أوتيت من ذكاء أن تبرمج هذا العقل كما أراد له الله في شفرته الوراثية، وماسوى ذلك كله يُعَدُّ تلويثٌ معنوي ومادِّيٌّ لقنوات الاستقبال السمعي الإنتقائي أو قنوات الاتصال البصري.

عزيزي القارئ .. عزيزتي القارئة: انصحوا الأمهات برفق وبلين بالعودة إلى الطبيعة إلى الأمومة إلى مداعبة الطفولة ثم انصحوهن برفق وبلين أيضًا بتأجيل استخدام التقنية والتطور الحضاري لوقته وبالكف عن تلويث سمع أطفالهن بها، ولنتدرج بالأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة ثم الحواسيب الآلية كما تدرّج بنا الخالق سبحانه وتعالى، أوجدوا للطفل بيئة الحنان وبيئة الحب وبيئة اللعب الفطري البسيط ستجدوا كل خير ولن تعانوا و لن تترددوا على عيادات الأطباء ولن تضطروا إلى استخدام العقاقير .. وشكرًا.

* إمام جامع الشجيعية مطرح