عرض ـ محمد عبدالصادق:
صدر للكاتب الصحفي والإعلامي محمد بن حمد بن سعيد الرحبي كتاب جديد بعنوان «شاهد على العصر»، جمع خلاله مجموعة من مقالاته المنشورة بهذه الجريدة “الوطن” منذ سبعينيات القرن الماضي وموقع سبلة العرب، الكتاب يقع في 289 صفحة من القطع المتوسط، غلاف الكتاب زينته مجموعة من الصور لأهم معالم مدينة مسقط، المدينة التي نشأ وترعرع فيها وعشقها الكاتب وشهدت لحظات صعوده وخفوته وعلى أرضها حقق أهم إنجازاته، اختار الكاتب ثلاثة عناوين لفصول كتابه الذي يشهد من خلاله على عصر كامل مليء بالأحداث والتحديات.

بدأ الرحبي كتابه بفصل بعنوان “كل صباح” ويتضمن مجموعة مقالات يومية بجريدة الوطن، يليه فصل بعنوان “سقط القناع” يناقش فيه الكاتب بروتوكولات حكماء صهيون، والفصل الأخير بعنوان “مقالات متنوعة” وهي 43 مقالا متنوعا في الشؤون المحلية والعربية والدولية.
يقول الرحبي في مقدمة كتابه: استقيت العلم من ينابيع بلدي عمان، تلك البداية التي شكلت رؤيتي وشخصيتي ووجداني وثقافتي، ثم التقيت عصر النهضة منذ بدايته؛ بأحلامه وطموحاته، حيث بدأت عمان المسيرة.. وطن يتقدم وأمة تعلو وترتقي بخطى ثابتة مستقرة، ومستقبل مشرق تضافرت وتوحدت فيه الإرادة الوطنية لتحقيق هذا الحلم، وتزامن صدور جريدة الوطن في مطلع سبعينيات القرن الماضي مع بداية ممارستي لهوايتي المفضلة “الكتابة” وكأن الظروف تسيرني في هذا الاتجاه، فعبَّرت بمقالاتي عن مشاعري تجاه وطني ولم تغب عن ناظري مصلحة بلدي عمان الذي يفرحني ما يفرحه، ويفطر قلبي ما يؤلمه.
وعن سبب حرصه على إصدار هذه الشهادة على العصر يقول الرحبي: مر الزمن سريعا كأنه أمس قريب، توقفت عن الكتابة لفترة أعتبرها استراحة محارب، وتفرقت الكتابات وإذا بأحد أصدقائي يقرأ أحدها ويشجعني على جمعها وإعادة نشرها؛ مدعيا أنها تمثل شهادة على عصر عشته وتفاعلت مع أحداثه؛ بعقل واعٍ وقلب محب للوطن، فجمعت ما وجدته وأزلت عنه تراب الزمن، عسى أن تستفيد منه الأجيال القادمة.
عندما نتصفح المقال الأول للرحبي في “كل صباح” نجد أسلوب سرد مختلفا انتهجه الكاتب وعمد فيه إلى مقصده دون مواربة أو تكلف.. دون ترهل أو تزيد، بعيدا عن أساليب العطف والإطناب ولا حشد لجمل ومفردات لا طائل من ورائها، طريقة متطورة في الحكي لم تكن تستخدم في الكتابة الصحفية في ذلك الزمن، مقالات غلب عليها الشكل القصصي الذي لا يقدر عليه سوى كاتب موهوب مسكون بالإبداع والخيال، يمتلك أدوات اللغة والحبكة الدرامية، بجانب الثقافة والصنعة الصحفية، يقول: يخلو المرء إلى نفسه وتهدأ أعصابه من نهار ومشقة كسب اللقمة الحلال في نهار مليء بالأحداث، يغوص الفرد منا في الأفكار والمتاهات تسبب لنا الأرق وتمنعنا من الراحة والاسترخاء.
ولم يغب الهم الإنساني والبعد العالمي عن محمد الرحبي فراح في مقاله الثاني يتحدث عن المليارات المهدرة التي ينفقها العالم على شراء السلاح ويقول: “كان الأجدر بهذه المليارات أن تنفق على رفاهية الشعوب وعلى راحة الإنسانية جمعاء بدلا من أن تكون أداة لدمارها وشقائها”.
وعن علاقته بجريدة الوطن يكتب الرحبي في أحد مقالاته: “الزمان صباح السبت 28/‏‏1/‏‏1989م، وبالتحديد الساعة الثامنة والنصف صباحا، المكان مبنى التليفزيون العماني بالقرم وعلى عكس المألوف إذا بالساعي إبراهيم يدخل المكتب وهو يحمل مجموعة من صحيفة الوطن العمانية وقد أعطاني نسخة منها وذهب عني ليكمل توزيعها على بقية الزملاء ولدى تصفحي لها فوجئت بأنها إصدار السبت 28/‏‏1/‏‏1989م وكان عهدي بها تصدر كل أسبوع، حينها انتابني شعور بالفرح والسعادة وأدركت أن الحلم الذي كنا ننتظره منذ العام 1971م يتحقق، وانطلقت من أسارير قلبي وبطريقة غير شعورية صيحة .. “صباح الخير يا وطن”، وعليها أيقنت أن حلم الوطن اليومية تحقق، بعدما قهر الصعاب واجتاز العقبات حتى تحققت نبوءة مؤسسيها، حيث حملت منذ ولادتها عبارة “الوطن صحيفة يومية تصدر أسبوعية بشكل مؤقت”.
في الفصل الثاني من كتابه الذي حمل عنوان “سقط القناع” يظهر ارتباط محمد الرحبي القوي بالقضية الفلسطينية وإيمانه العميق بحقوق الفلسطينيين في وطنهم وأرضهم، فراح يفضح المزاعم الصهيونية والمغالطات التاريخية، فيقول في المقالة الأولى: “نتمنى أن تسقط الحلول العاثرة والبحث عن بديل يعيد للإخوة الفلسطينيين أرضهم ويعطيهم حقهم غير منقوص، بما في ذلك إقامة دولتهم المستقلة استقلالا كاملا غير منقوص السيادة، بما يعنيه مصطلح السيادة من مضامين ومقومات وعودة اللاجئين إلى ديارهم وأهلهم إلى جانب إعادة الكرامة والاعتبار للفلسطينيين”.
ثم يشرع في عرض نصوص من بروتوكولات حكماء صهيون ويقوم بشرحها وتفنيد الأكاذيب والمغالطات التي تضمنتها بأسلوب سلس سهل نابع من قناعته بزيف الادعاءات الصهيونية، ويقول عن ذلك، نستهدف من وراء نشر هذه البروتوكولات إظهار الحقائق كما هي ونترك الحكم في النهاية للقارئ الكريم بعد أن نكشف القناع عن الوجوه الغادرة.
وفي الفصل الأخير من شهادته الذي حمل عنوان “مجموعة مقالات في الشأن المحلي والعربي والدولي”، يقول: لماذا لا نعتبر عصرنا العربي بداية عصر اليقظة العربية وعليه نستصرخ كل الأقلام العربية الشابة في مجالها، بل وتوظيفها على هذا الأساس، لماذا لا تكون الكلمة الهادفة البناءة هي سلاح الشباب الغيور على وطنه، وما أكثر رجال الكلمة سواء كان شعرا له تأثيره الإيجابي، حيث كانت القصيدة لها مكانة كبيرة لدى العرب، وهي لديهم تعتبر جزءا من تراث الأجداد، وهنا في عمان موطن التراث والتأريخ تزخر الساحة بالشعراء المخضرمين، وأخص منهم أولئك الذين تهزهم أفراح وأتراح وطنهم ويتأثرون بأخباره السارة، كما يتألمون بما قد يلحقه من ضرر.