محمد عبد الصادق:
أفادت وسائل إعلام عبرية أن شركتي الأدوية الأميركية “فايزر” و”مودرنا” هددتا بتعليق إمداداتهما من لقاحهما المضاد لفيروس كورونا إلى إسرائيل، بسبب تأخرها في سداد ثمن اللقاحين، وحذرت الشركتان بتحويل وجهة الشحنات المتفق عليها إلى دول أخرى إذا تأخرت إسرائيل في السداد، ونقلت القناة العبرية عن مسؤول المبيعات في “فايزر” مخاطبا وزارة الصحة الإسرائيلية” لسنا جمعية خيرية”.
وتكشف أن عدد اللقاحات التي حصلت عليها إسرائيل من شركة “فايزر” تجاوز 8 ملايين جرعة و6 ملايين جرعة من شركة “مودرنا” بإجمالي 14 مليون جرعة تكفي لتطعيم 7 ملايين إسرائيلي بواقع جرعتين؛ أي تغطي قرابة 80% من الإسرائيليين البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، لتسجل إسرائيل أكبر تغطية للتطعيم على مستوى العالم.
المفارقة أن إسرائيل المتخلفة عن السداد حصلت على لقاحات أكثر من احتياجاتها، بل قامت بإهداء جرعات مجانية لـ19 دولة أوروبية وإفريقية ولاتينية، من أجل الحصول على الدعم السياسي؛ والاستجابة لمطالبها بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، بينما حرمت الفلسطينيين بمن فيهم المقيمون داخل الخط الأخضر من حقهم في التطعيم.
الغريب في الأمر أن إسرائيل كانت الدولة الأولى في العالم التي تصلها اللقاحات بمجرد ظهورها في أوروبا وأميركا في شهر ديسمبر الماضي وقبل دول الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك علامات استفهام كبيرة وراء تكتم الشركتين طوال الشهور الماضية وعدم الإعلان عن المماطلة الإسرائيلية في السداد إلا بعدما أوشكت إسرائيل على الانتهاء من تطعيم كامل مواطنيها.
يحدث هذا في الوقت الذي امتنعت فيه شركة “فايزر” وغيرها من الشركات المنتجة للقاحات كورونا عن الوفاء بتعاقداتها مع دول اشترت لقاحاتها بأسعار مضاعفة، ولم تحصل هذه الدول التي دفعت “كاش” ومقدما على 10% من الكميات المتفق عليها، مما دفع كثيرا من هذه الدول لوقف حملات التطعيم أو الاكتفاء بجرعة وحيدة بدلا من الجرعتين اللازمتين للوقاية من كورونا، وما زالت هذه الدول تنتظر تعطف شركات الأدوية وإرسالها اللقاحات الموعودة، خصوصا مع استعار الجائحة، وشراسة الأنواع المتحورة من كورونا.
لا ندري الجهة الضامنة التي أعطت الـ”كريدت” لإسرائيل حتى تحصل على اللقاحات بالآجل “على النوتة”، ولكننا نعلم منذ قيام إسرائيل أن “على راسها ريشة”، وطالما سمح لها بفعل ما يحظر على غيرها ممارسته.
وبمناسبة أزمة سد النهضة، والتعنت الإثيوبي بالإصرار على استكمال بنائه وملء البحيرة التابعة له دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان، اللتين استنفدتا كل الطرق والحلول السلمية، والوساطات الإفريقية والدولية والعربية، لإقناع إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق عادل قبل شروعها في الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو القادم، الأمر الذي يعرض مصر والسودان لخطر العطش أو الغرق، كما حدث في موسم الفيضان الماضي.
هناك حديث عن اضطرار مصر للجوء للحل العسكري للحيلولة دون استكمال إثيوبيا لخططها الغامضة في الاستيلاء على مياه النيل وحرمان أكثر من 100 مليون مصري من المياه اللازمة لحياتهم، وهناك صمت أُممي مريب وموقف دولي مائع غير مكترث بتبعات الأزمة وتأثيراتها الكارثية على المنطقة، وربما يظن البعض أن هذا الصمت ضوء أخضر لمصر لتوجيه ضربة تدمر السد الإثيوبي.
ولكن هيهات فكل هذه الأصوات الصامتة الآن ستنطلق تنهش في مصر وربما تحاصرها بالعقوبات في حال قررت ضرب هذا السد الذي يهدد وجودها، فغير مسموح لدولة غير إسرائيل بالخروج والضرب خارج حدودها مهما كانت الدوافع والمبررات، دون أن تدفع الثمن من سمعتها ومقدرات شعبها، لذلك أتمنى أن تستجيب إثيوبيا لصوت العقل وتجلس مع جارتيها وشريكتيها في مياه النيل وتصل الدول الثلاث لاتفاق وحل متوازن يضمن لدولتي المصب حصتهما من المياه الآمنة، وتسمح لإثيوبيا بإنتاج الكهرباء التي تحتاج إليها كما تدَّعي في خطط التنمية.