تبدو الأرقام التي تُسجِّلها البلاد ممثَّلة في وزارة الصحة بشأن فيروس كورونا “كوفيد19” لافتة للانتباه من حيث القفز المستمر في أعداد المصابين والمتوفين بسبب الوباء، الأمر الذي يؤكد أن هذه الموجة الثالثة التي تشهدها السلطنة موجة شرسة، وخطيرة، وتدلل على التوضيحات والتحذيرات الصادرة عن الأطباء والمنظمات الصحية، وأنها فعلًا موجة سريعة الانتشار تقودها السلالات الجديدة المتحوِّرة. فقد كان مثيرًا للانتباه العدد الذي أعلنته وزارة الصحة أمس الأول والذي رصدته خلال الأيام الثلاثة الماضية والبالغ (3544) حالة إصابة و(29) حالة وفاة و(733) حالة منوَّمة في المؤسسات الصحية، و(229) حالة في العناية المركَّزة، ويؤشر على أنه رقم قياسي، بالنسبة للمصابين أو المنوَّمين في غرف العناية المركَّزة بالمقارنة مع أعداد الموجتين الأولى والثانية.
ومع هذا الارتفاع تبدو المعركة طويلة ولا يعلم منتهاها إلا الله وحده، ما يعني أننا مقبلون على مزيد من الأعداد، ومزيد من الآلام والأحزان والمآسي، والتحدِّيات على جميع المستويات، وفي المقابل تشي هذه الإحصائيات المتصاعدة إلى وجود تساهل من قبل البعض أو الكثير في اتخاذ ما يلزم من احترازات وسبل وقاية، وبالتالي امتعضوا ورأوا في التحذيرات المتوالية من الأطباء والجهات المعنية ضربًا من المبالغة وبثًّا للرعب وغير ذلك، فعلى أثر ذلك وجد الفيروس ثغرات متعددة لينفذ منها، ويوسع دائرة انتشاره، في حين أن نسبة الذين التزموا وأخذوا التحذيرات على محمل الجِد، واتَّبعوا الإجراءات الاحترازية والوقائية المطلوبة ليست كبيرة.
هناك مغالطات بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب وبين قوله سبحانه في محكم كتابه العزيز “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، فكل إنسان مأمور بأن يأخذ بالأسباب ويؤمن في الوقت ذاته بقضاء الله وقدره، والأخذ بالأسباب هنا هو الالتزام التام بحفظ النفس والصحة والمال، وعدم تعريض النفس والحياة للتهلكة، وذلك بالالتزام بارتداء الكمامة، والتباعد الاجتماعي وتجنُّب التجمُّعات الأُسرية والاجتماعية، والمداومة على غسل اليدين بالماء والصابون وتعقميهما بالمعقِّمات المقرَّة، وترك مسافة تباعد مترين، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وتجنُّب الازدحام والاكتظاظ. فالفرد حين يلتزم بذلك إنما يأخذ بالأسباب مع الإيمان بقضاء الله وقدره الذي بيده تدبير الأمور وترتيب النتائج.
ويُعدُّ الحرص على أخذ التطعيم أحد أهم الأسباب التي يجب على كل فرد إتيانها، فلا يخفى ما تبذله الحكومة من جهود جبَّارة من أجل توفير اللقاحات، وتحصين المواطنين والمقيمين بها وذلك وقاية لهم، ودرءًا من مخاطر الوباء، وحفاظًا على حياتهم وصحتهم، الأمر الذي يستوجب التقدير والشكر لهذه الجهود والمساعي الطيبة وذلك بتلبية النداء المُوجَّه من قبل وزارة الصحة، أو التوجُّه إلى المؤسسات الصحية لأخذ التطعيم.
إنَّ الحملات التي تُنفِّذها وزارة الصحة عبر المديريات العامة للخدمات الصحية التابعة لها في المحافظات كافة هي جهد وطني مُقدَّر، وتسعى السلطنة ممثَّلة في وزارة الصحة إلى حماية حياة المواطنين والمقيمين وصحتهم، وتجنيبهم ويلات الوباء، لذا من الواجب الوطني أن يحرص كل مواطن ومقيم من الفئات ذات الأولوية التي حدَّدتها الوزارة على أخذ التحصين، وعدم التهاون، وعدم الركون إلى الإشاعات المغرضة حول مأمونية اللقاحات، ذلك أنه لا يعقل لأي حكومة أن تؤذي مواطنيها، أو تتسبب لهم في الأذى والألم، ولو كان الأمر بهذا المقياس وبهذه النظرة الضيِّقة لما ألزمت نفسها وبذلت كل جهد ممكن لشراء اللقاحات، كما لا يعقل أن تُقْدم حكومات الدول الأخرى في هذا العالم، وخصوصًا الدول المُصنِّعة للدواء، على جرِّ الأذى لمواطنيها، في الوقت الذي تعطي فيه الأولوية لهم، بدلًا من البيع وقبض الأموال الطائلة. إنَّ إنجاح حملات التطعيم مرهون بمدى الوعي والفهم الذي يجب أن نتحلَّى به، والذي يتمثَّل في مأمونية اللقاحات ودورها في تثبيط الفيروس وحماية الناس من آثار الوباء على الصحة الجسدية والنفسية.