محمود عدلي الشريف :
الحمد لله الذي جعل لنا أيامًا مباركة ندرك فيها ما فاتنا في عبادته من تقصير، وقد ذكرنا الله تعالى بذلك في كتابه الحكيم وسنة رسوله العظيم (صلى الله عليه وسلم)، فمن آي القرآن الكريم:( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران ـ ١٣٣)، والأحاديث في السنة كثيرة، ومنها ما رواه ابن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال:(لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري، وجدنا في جراب سيفه كتابًا فيه:(بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: وإن لربكم في أيامكم دهركم لنفحات فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا) (رواه الطبراني في الكبير عن محمد بن مسلمة برقم: 2398). (والتعرض لها بتطهير القلب وتزكيته من الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة كما سيأتي بيانه وإلى هذا الجود الإشارة بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له وبقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكاية عن ربه عز وجل: لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشد شوقاً) (إحياء علوم الدين 3/ 9).
ومن تلك النفحات الكبرى، شهر رمضان المعظم فهو باب واسع من أبواب الخير والفضل والعطاء والكرم المغفرة والرحمة من المولى ـ جلّ جلاله.
فشهر رمضان من أعظم نفحات الله تعالى التي أودعها الأعوام والسنين، فقد جعله يأتينا كل عام نقيًّا طاهرًا، ليطهرنا وينقينا، ويغرس في قلوبنا مراقبة الله تعالى، ويزرع في أفئدتنا تقواه سبحانه، فالتقوى هي الغاية الأسمى، والهدف الأوحد، فقد تلهو بالبعض منا ملذات الدنيا ومشاغلها، فيصر في جنب الله ولا يؤدي بعض ما أمره الله تعالى به، الأمر الذي يجعله إن مات ندم على ذلك التقصير. ولأن رمضان فرصة عظيمة للرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه سبحانه، فقد نهبنا رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ذلك ومنه ما أخرج (أبو بكر البيهقي في شعب الإيمان 5/ 224، برقم: 3336)، وروي عند غيره كابن خزيمة: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يُزَادُ فِي رِزْقِ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ، وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعْطِي اللهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ)، زَادَ هَمَّامٌ فِي رِوَايَتِهِ:(فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ، خَصْلَتَانِ تُرْضُونَ بِهَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتانِ لَا غِنَى لَكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْخَصْلَتانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهَا رَبَّكُمْ: فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنَى لَكُمْ عَنْهُمَا فَتَسْأَلُونَ اللهَ الْجَنَّةَ، وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ) (لَفْظُ حَدِيثِ هَمَّامٍ وَهُوَ أَتَمُّ).
[email protected]