علي بن سالم الرواحي :
أيها المسلمون الصائمون .. خلال شهر رمضان المبارك نخوض معكم هذه السلسلة القرآنية من آيات الله الكريمة .. لنوضح ـ من خلال الاطلاع على عدد من التفاسير ـ لنزيل ما لَبِسَ أو أُشكِلَ على البعض من الناس في فهم عدد من الآيات القرنية ..
الآية الأولى (من الجزء الأول): حكم المؤمنين من الأمم السابقة
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة ـ 62)
(الآية مدنية وفي سورة مدنية).
سبب النزول:
سأل سلمان الفارسي، الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن مصير أصحابه طيلة رحلة بحثه عن الدين الصحيح قبل أن يسْلَم، وقد كانوا مؤمنين ويصلون ويصومون ويشهدون بمبعث محمد، فأجابه النبي الكريم:(هم من أهل النار)، فاشتد ذلك عليه، فنزلت الآية تُبَيِّن مصيرَهم.
ولمّا ذكر الله في الآيات السابقة حكم اليهود وهو غضب الله عليهم، ومن شابههم في الأعمال القبيحة دخل في حكمهم، فجاءت هذه الآية استثناءً لعموم حكم اليهود الانتقامي إلى حكم الثواب الإحساني بأنه يلحق كل من آمن بالله سبحانه وتعالى, وعمل صالحًا، ولقد ذكرت الآية الفرق الأربع للدلالة على عدم الأخذ بالأسماء وبالشكليات وبالأماني للفوز بالجنة، وإنما الأخذ بالمسميات ومضامينها من الإيمان والعمل الذي يشمل القول والفعل، ولجمع الناس في أمة محمد (عليه الصلاة والسلام) بإيمانهم به، ولتوضِح لا محاباة للأمة الإسلامية على الأمم السابقة فمن منها فاز، ومن أبطأ به عمله لم يُسرِع به نسبه.
محل غموض المعنى:
(الذين آمنوا) أدّى الخلاف فيه إلى ثلاثة معانٍ:
ـ الذين آمنوا بمحمد بعد مبعثه، وسموا مؤمنين لكثرة إيمانهم.
ـ الذين آمنوا بمحمد ظاهرًا لا باطنًا أي: بلسانهم، وهم المنافقون.
ـ الذين آمنوا إيمانًا فطريًا، قبل أن يتأثروا بالأديان.
الاستدلالات على الأقوال المختلفة:
في (الذين آمنوا): عند من أخذ بالعطف قال أنه جاء ما بين الفرق الكفرة، لأن العطف يقتضي الاشتراك في الحكم، فتوجب في (الذين آمنوا) عندهم على أنهم المنافقون الذين آمنت ألسنتهم ظاهرًا وكفرت قلوبهم، فمصير هذه الفرق الأربع واحد. وأرى ضعف هذا الرأي لأن هناك فرقًا بين معنى الذين آمنوا ومعنى المنافقين، والقرينة التي ساقوها ليست بقوية، لأنه قد يُعطَف ما بين متضادين. ومن قال أنهم أتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) قال العطف على الأمم السابقة لإعلان ميلاد دين جديد جاء لينسخها كلها بقوله تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران ـ 19)، وحتى يتحقق العدل الإلهي وذلك في جعل الناس سواسية في الجزاء, وفي جعل نجاة الجميع متحققة في شيء واحد هو الإيمان والعمل الصالح. والحكم للمعطوفات في الآية مرتبط بالإيمان والعمل الصالح فيحتمل طريقين لا طريقًا واحدًا، فحكم من حقق هذا الشرط ليس كحكم من أهمله، وبذا سقط الاحتجاج بحمل العطف على اشتراك معطوفاته في الحكم. إن القرآن الكريم عندما ينادي بـ(يا أيها الذين آمنوا) أو يُخْبِر عنهم، يعني بهم أتباع محمد (عليه الصلاة والسلام) وبذا يترجح هذا القول .. والله أعلم.