أجرى اللقاء ـ أحمد بن سعيد الجرداني:
الكبر يأتي بمعنى محمود وآخر مذموم، فالمحمود يكون بمعنى الرفعة في الشرف، مثل قوله تعالى:(وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فالكبر والكبرياء والتكبر من قبل الله تعالى تكون بمعنى العظمة، لأنه المستحق للعظمة، وهو الخالق العظيم القاهر لخلقه، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وأما بالنسبة للعبد فهو تعاظم على مخلوق مثله، فيكون بذلك تجاوز الحدود التي يستحقها، يقول تعالى:(سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ).
وحول موضوع الكبر .. كانت لنا هذه التساؤلات التي حملناها للدكتور أحمد بن سعيد البوسعيدي ـ مدير مختص بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ونائب رئيس الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، فكان هذا اللقاء ..
❋ التكبر آفة خطيرة اتصف بها بعض الناس .. هل لكم من تعريف صفة التكبر؟
ـ بداية نُعرّف (الكِبر) بشكل عام، ثم نفصّل فيه ـ بعون الله تعالى، فالكِبر في اللغة (كبُر) أصلٌ صحيح يدلُّ على خِلاف الصِّغَر، يقال: هو كَبيرٌ، وكُبَار، وكُبَّار، قال الله تعالى:(وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) أي: مكرًا عظيمًا، والكِبْرُ: مُعظَم الأمر، قوله عزّ وعلا:(والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ)، أي: مُعظَم أمرِه، ويقولون: كِبْرُ سياسةِ القوم في المال، ومن الباب الكِبَر، وهو الهَرَم، والكِبْر: العظَمة، وكذلك الكِبرياء، ويقال: وَرِثُوا المجدَ كابِراً عن كابر، أي: كبيرًا عن كبيرٍ في الشَّرفِ والعِزّ (ابن فارس معجم مقاييس اللغة، باب كبر).
ومن هنا يتبين لنا أن الكِبر يأتي بمعنى محمود وآخر مذموم، فالمحمود يكون بمعنى الرفعة في الشرف، مثل قوله تعالى:(وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فالكِبر والكبرياء والتكبر من قبل الله تعالى تكون بمعنى العظمة، لأنه المستحق للعظمة، وهو الخالق العظيم القاهر لخلقه، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وأما بالنسبة للعبد فهو تعاظم على مخلوق مثله، فيكون بذلك تجاوز الحدود التي يستحقها، يقول تعالى:(سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ)، ومن هذا الأساس نجد عند إطلاق صفة الكبر بالنسبة للبشر فإنها تتوجه إلى الجانب السلبية وتعتبر صفة ذم، وتركيزنا في هذا اللقاء على هذا المعنى.
وقد اختصر الحديث الشريف تعريف الكِبر في ركنين اثنين وهما: عدم الانصياع للحق، والتعدي على حقوق الآخرين، حيث جاء ذلك في قوله (عليه الصلاة والسلام):(الكِبر: بطر الحقِّ، وغمط النَّاس) (رواه مسلم)، ومن هنا ورد في التعريف الاصطلاحي للكبر بأنه: حالة يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسه أكبر من غيره، وبمعنى آخر: هو استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق الغير.
ومن منطلق هذا التعريف يتضح لنا أن التكبر يعد من الأمراض القلبية التي تفتك بالإنسان وتورده المهالك، وهذا المرض ناتج عن وجود خلل في شخصية الإنسان أدى إلى عدم اتزانها، فالمتصف بها يعد من الشخصيات المريضة، لا من الشخصيات السوية، ويعتبر التكبر من الأمراض الناشئة عن تطرف في حب الذات، ولذلك عرفه بعضهم بأنه التعالي على الناس، حيث يرى المتكبر نفسه خيرا من غيره لميزة يراها في نفسه مثل المال أو الوظيفة، أو الحسب أو النسب أو الجاه أو المكانة أو العلم .. وغيرها.
❋ ذكرتم أن الكِبر يورد صاحبه إلى المهالك ـ والعياذ بالله ـ وأنه من الأمراض وله عدة مظاهر مثل: نجد بعض الاشخاص يزداد تكبرهم عندما يكون عندهم منصب وظيفي أو مال؟ هل لكم من نصيحة؟
ـ مظاهر التكبر كثيرة ومتنوعة، ومن أبرزها التي تمت الإشارة إليه في قوله تعالى:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، فالآية تحذر من هذه الصور الذميمة المنتشرة، والتي تتجدد في كل آونة وحين، وإيرادها هنا على سبيل التمثيل لا الحصر، وأولها:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)، فلا يصح للإنسان احتقار الآخرين أو الاستخفاف بهم، فلا يصعر خده للناس أي لا يشيح بوجهه ويعرض به عن الآخرين تكبرًّا، لأنه يرى أنه أعلى منهم منصبًا أو مالًا أو غير ذلك، والصورة الثانية: هي (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا)، بمعنى أن المؤمن مأمور بأن يجانب المشي في الأرض بتكبر وخيلاء، وهي إشارة إلى الغطرسة والتعالي على الناس، وعليه بالتزام التوجيه القرآني:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)، والصورة الثالثة:(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)، وهي تشير إلى رفع الصوت على الناس والصراخ في وجوههم، والتعالي عليهم في الحديث، كأن يتعالى المدير على موظفيه بكيل السباب والصراخ والتهديد والوعيد، بل على المؤمن أن يغض من صوته، ويتكلم مع الآخرين بأدب واحترام وتقدير، ولو كانوا أقل منه رتبة أو وظيفة أو مكانة.
وقال: نصيحتي أن أتوجه إلى هؤلاء المتكبرين سواء كان تكبرهم لمنصبهم أو مالهم أو غير ذلك أن يتذكروا أصل خلقتهم، فهم مخلوقون من تراب ثم من نطفة حقيرة قذرة، لا قيمة لها ولا مكانة، ولكن بسبب الروح التي نفخها الله فيها تحولت هذه النطفة إلى إنسان سوي مكرم، يقول تعالى:(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)، ثم عليه أن يخضع لله وينقاد لأمره، الذي وجهه إلى التواضع لخلقه، والشفقة والرحمة بهم.
❋ نرى بعض المتكبرين أن هذه الصفة التي هم فيها تجعلهم مجيدين ليكون لهم شأن عظيم في المجتمع .. ما هو ردكم؟
ـ إن الإنسان بطبيعته يحب التميز والمدح، كما أنه يحب الظهور بالمظاهر الجذابة عند الآخرين، ولا يعد ذلك من الكبر، فليس المقصود به النهي عن مراعاة الجانب الجمالي والتحلي بالنظافة وحسن الهندام، وإنما يراد بالكِبر الارتفاع والتعالي على الناس واحتقارهم، إضافة إلى دفع الحق وعدم الانقياد له، ومن ذلك ما جاء في الحديث:(فقال رجل: إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟ قال: إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال، الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس) (رواه مسلم)، لذا فإننا نجد في كتابنا العزيز الإشارة إلى هذه الخصلة القلبية الذميمة، والتي ينطوي عليها صدر الإنسان، فيتكبر على خلق الله ويتكبر على أمر الله، ويظن أنه بذلك ينال الشرف والمكانة عند الآخرين، ولكنه في الحقيقة لن يصل إلى مراده، ولن يبلغ مقصوده، لأنه جانب الحق وخالف الصواب، يقول الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، ومن هنا نجد أن مشاهد الكبر تتكرر من خلال المواقف التي تكشف عن هذه الخصلة السيئة، فهذا الشيطان الذي كان في مكانة سامقة ورتبة علية، دب فيه مرض الكبر فتعالى على غيره، لميزة ظن أنها تجعله متفردا وأنه أفضل منه وخير منه، وهذا الذي أدى به إلى التعالي على أمر الله والاستكبار عن الانصياع لتوجيهاته، يقول تعالى:(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ، قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)، كما أننا نجد ذلك واضحًا جليًا في تعالي فرعون عن إجابة رسل الله، والاستكبار عن امتثال أمر الله، لظنه أن ما ينعم به من ملك وجبروت يؤهله للتعالي على غيره ولو كان مع خالقه ومدبر أمره، فيتعامى عن الأدلة الجلية والبراهين الساطعة، يقول تعالى:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ، فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ، فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ)، كما أننا نجد أن المتكبر يتصف بعدم التراجع عن الباطل والإصرار على الغي والفساد، يقول الله تعالى:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)، بل يتجاوز تكبره وطغيانه وإجرامه إلى تشويه صورة من يخالف أمره، ولو بالكذب الصراح: يقول ـ جل وعلا:(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ).
.. وللقاء بقية غدًا بإذن الله تعالى.