أ. سعدون بن حسين الحمداني:
إنَّ النهج الرباني للبشرية عامة هو الثواب والعقاب، وجعل الثواب كتكريم إلهي للبشرية وللإنسان الذي يعمل ويجتهد في حياته اليومية بالخير.
ويُعدُّ التكريم من أهم صفات وسمات القائد الناجح، أما التهميش فهو أداة لتدمير صفات الهِمّة والاجتهاد للمواطن والمجتمع ودفن صفة التميز والعمل الدؤوب في نفس الوقت، وكذلك هو صفة من صفات الأنانية والحقد وحب الذات، وهذا يخالف الشرع ومبادئ ديننا الحنيف، حيث قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه)، وقال أيضًا: (وَأَحِبّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا).
يُعدُّ المواطن هو الحجر الأساس لكل مجتمع، سواء كان حضريًّا أو ريفيًّا أو بدويًّا، وبالتالي فإن سياسة وأهداف هرم الدولة والحكومة وخططها التنموية تصب أولًا وأخيرًا في المصالح الوطنية والدخل القومي لها وللمواطن والذي يُعدُّ من أغنى الثروات التي لا بديل عنها، فعلى سبيل المثال، اليابان والدول الغربية تعتمد كثيرًا على الثروة البشرية والعقول الذكية في الارتقاء والوصول لأعلى درجات التقدم والتطور، وليس الاعتماد على الموارد الاقتصادية كالنفط والمعادن الأخرى، وألمانيا والهند بالذات خير دليل على ذلك، حيث تعتمد مبدأ التكريم لكل متميز ومجتهد، وتحتضن جميع الأفكار والابتكارات الجديدة التي تخدم عجلة الاقتصاد والمجتمع، وبالتالي نرى العديد من العلماء المتميزين في هذه الدول، على العكس بالعالم الثالث الذين يهمشون لأي سبب كان.
التكريم هو أهم أدوات فن القيادة الناجحة لموظفي الدولة بصورة عامة وللكادر الدبلوماسي بصورة خاصة، وتلعب هذه المفردة بمستوى وهُوية المجتمع وبالحالة الإيجابية التي تساعد على تطوير العمل بأفضل المهارات وبأقل جهد، والذي يدخل ضمن بوتقة القيادة الرشيقة عكس التهميش الذي تهيمن عليه الرتابة في العمل، وسوء النتائج والحقد، والغرور للقائد أو المدير في ذلك المكان.
ومن الأمثلة القريبة علينا: ما تفضل به جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أبقاه الله ـ عدة مرات بتكريم كل من الكادر الطبي الذي أشرف على صحة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ والإعلاميين، وقادة الجيش والدولة لجهدهم المتميز الملموس، كما قامت السيدة الجليلة بتكريم عدد من النساء العمانيات بمناسبة يوم المرأة العمانية.
إنَّ هذه الخطوة المباركة من هرم الدولة تُعدُّ نموذجًا إيجابيًّا، علينا جميعًا الاقتداء بها واعتبارها سلوكًا إداريًّا دوريًّا وملزمًا لغرض تطوير دفة الإدارة بين الجميع في المؤسسة، والتكريم يبدأ من أقل موظف إلى أعلى منصب، ليس تكريمًا ماديًّا فحسب، ولكن حتى التكريم المعنوي يجعل من الشخص شعلة من النشاط والتضحية والعطاء.
ولكنني ـ مع الأسف ـ لم ألمس من كثير من الدرجات الوظيفية العليا تكريم موظفيها المجيدين والمبدعين والذي يعطي حافزًا لهم للإبداع أكثر وأكثر، ويحفز النائمين والمتكاسلين على العمل بجدية للوصول إلى الإبداع والتميز والعطاء المثمر بدلًا من إضاعة الوقت.
التكريم لا يحتاج إلى لجنة وقرارات واجتماعات، حيث يبدأ التكريم من المدارس والكليات والجامعات للحصول على طلبة متميزين في المستقبل، وكذلك في دوائر الدولة من وزارات وهيئات حكومية أو مختلطة.
إنَّ التكريم المعنوي أو المادي ـ ولو بشيء بسيط ورمزي ـ له الأثر البالغ في رفع المعنويات والتسابق لأداء العمل بكل رحابة صدر، والوصول إلى أعلى درجات المهنية، وهذا سوف يشجع النائم قبل المستيقظ للتنافس الشريف، وتكون الوطنية معيارًا لذلك، وهنا لا بد من ذكر ما تقوم به القوات المسلحة بمختلف صنوفها بتكريم المجيدين سنويًّا، وكذلك جمعية الصحفيين العمانية التي اعتادت تكريم أفضل إعلامي وأفضل مقال (ثقافي، اقتصادي، سياسي، سياحي) لغرض دعم وتشجيع القلم الإعلامي العماني، وهؤلاء يسيرون على خطى ونهج جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في تكريم نخب من مختلف شرائح المجتمع العماني لتميزهم بالعمل، وكذلك المواقف الطيبة والكريمة للسيدة الجليلة بتكريمها لبعض النساء العمانيات بمختلف المناسبات وزيارتها لبعض الدوائر الإنسانية الاجتماعية تطبيقًا للنهج الرباني في التكريم والاحتفاء بكل ما هو متميز في عملهن.
وإنني من هذا الباب أدعو كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية أن تحذوَ حذوَ أفكار وتطلعات جلالة السلطان المعظم النيِّرة في التكريم، حيث لدينا في المجتمع العماني كثير من الطاقات الشبابية الراقية بمختلف الاختصاصات التي تحتاج إلى احتضان واهتمام وتكريم معنوي قبل المادي ليكونوا أمل وقادة المستقبل؛ لكون هذا البلد المعطاء الكريم لا يبخل على أبنائه المتميزين، ودفعهم للعطاء أكثر وأكثر، ونخرج من الرتابة الوظيفية المقيتة والتهميش من قبل بعض المسؤولين والذي يقتل فيهم روح الإبداع والتنافس الشريف للنهوض بالسلطنة الحبيبة، وجعلها في مصاف الدول المتقدمة.

دبلوماسي سابق