استقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان المبارك وسط استعدادات نفسية وروحية تتناسب ومكانة هذا الشهر الفضيل الذي يُعدُّ من أفضل شهور السنة عند الله تعالى، والذي يُعدُّ الصيام من أهم خصائص شهر رمضان، فهو شهر الصيام والصلاة والقيام والزكاة والصدقة، والتعبُّد والتقرُّب من الله ونيل ثوابه ورضاه.
ويمثِّل شهر رمضان فرصة ذهبية يحرص كل مسلم على اغتنامها، بل يجب عليه ذلك؛ لما أودعه الله في هذا الشهر المبارك من الفضائل العظيمة، والقِيم والمبادئ القويمة، والخصائص العالية التي جعلته يتفرد عن سائر الشهور، من حيث نور الهداية ومضاعفة الأجر والثواب والحسنات، وفتح أبواب الجنة، وتصفيد الشياطين، وكذلك اختصاص الله ذاته العلية بفريضة الصيام، كما جاء في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
وبعيدًا عن المبالغة، فشهر رمضان المبارك يُعدُّ مدرسة عظيمة تجمع الفوائد الجمة، والمواعظ والدروس والعِبر العظيمة، وكلُّ من دخل هذه المدرسة واستعدَّ للنَّهل من مَعِينها استعدادًا صادقًا وخالصًا وأمينًا، وخضوعًا وانقيادًا، وقاصدًا بنية حسنة صافية صادقة وجْه الله، والظفر بكلِّ ما عنده، وكلِّ ما حازه شهر رمضان، وكلِّ ما أودعه الله في هذا الشهر من خصال الخير والفضائل وحُسن العاقبة، خرج من هذه المدرسة بتقدير امتياز عالٍ من لدن المولى جلَّ جلاله، وذلك اعترافًا وتقديرًا وفضلًا ورحمةً منه سبحانه وتعالى تجاه عبده المخلص الصادق الأمين الذي توجَّه بقلب سليم وبنية صادقة خالصة لابتغاء رضوان الله وإحسانه وإنعامه، وفي سبيل الوصول إلى هذه النتيجة الوافرة، والفوز الكبير، فترك شهواته وملذاته، وكابد وصبر وقاوم كلَّ مغريات الحياة، وابتعد عن كلِّ الشبهات، وعن كلِّ أوجُه المعاصي ودروب الذنوب والآثام، فنظر إلى مدرسة الإسلام نظرة حق وصدق، وأن الدخول فيها واغتنام ما فيها من خيرات وفضائل وثواب وأجر فرصة لا تضاهيها أي فرصة، وهي فرصة قد لا تأتيه مرة أخرى، أو قد لا يسعفه الأجل لملاقاة الشهر في العام الذي يليه، وساعتئذ لن يحصد إلا الخيبة والخسارة والألم والندم على تفريطه في هذه الفرصة الذهبية.
لذلك الإنسان المسلم مطالب اليوم بأن يستغل نفحات شهر رمضان المبارك، ويكثر فيه من الخير والتصدق وكلِّ وجوه البِر، والحرص على أداء الصلاة في جماعة، والقيام، وتلاوة القرآن وعلى تحرِّي الأوقات التي يكون فيها قَبول الدعاء أدعى، وأن يجعل من شهر رمضان معلِّمًا ومرشدًا وقائدًا إلى الخيرات والفضائل من الأعمال، وطريقًا إلى الصلاح والهداية والرشاد، فشهر رمضان المبارك يدعو إلى مكابدة رياضة روحية تستهدف ضبط النفس وقمع شهواتها، خصوصًا حين يتعرض المرء لحالة من الاستثارة أو الاستفزاز، حيث يرشدنا هذا الشهر العظيم إلى الوسطية في القول والفعل، وإلى التوازن في كلِّ الأمور، والموازنة بين المادي والروحي، ويُنمِّي الشعور بأهمية الأُخوة والمحبَّة والألفة والتسامح واللطف واللين، والحرص على تحرِّي الحق وقول الصدق، والابتعاد عن الغش والافتراء والكذب والغيبة والنميمة، والتماس الأعذار للآخرين، ولين الجانب والتغاضي عن المعاملة السيئة بمثلها. كما يُعدُّ شهر رمضان المبارك فرصة للابتهال والتضرُّع والدعاء إلى الله بأن يرفع عنَّا البلاء والوباء والمِحن، وأن يكتب الأمن والسلام لعباده، سائلين المولى جلَّت قدرته أن يعين عباده المسلمين على صيام الشهر وقيامه والفوز بنفحاته وجوائزه، ويلمَّ شملهم ويجمع صفَّهم، ويقوِّي وحدتهم، كما نسأله سبحانه أن يعيد هذا الشهر الفضيل على قائد مسيرة نهضتنا المباركة في عهدها المتجدد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ويديم السلام والأمن والرخاء لعُمان ولشعبها في ظل قيادته الظافرة والحكيمة.. إنه سميع مجيب.