الآية الثانية من الجزء الثاني:(حكم السعي)

(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة ـ 158) (ص 24 في المصحف الشريف).

سبب النزول والتفسير:

من (تفسير ابن عباس): ذكر الله كَرَاهِيَة الْمُؤمنِينَ ـ وهم الأنصار ـ للطَّواف بَين الصَّفَا والمروة من قبل الصنمين اللَّذين كَانَا عَلَيْهِمَا فَقَالَ:(إِنَّ الصَّفَا والمروة) يَقُول: الطّواف بَين الصَّفَا والمروة (مِن شَعَآئِرِ الله) مِمَّا أَمر الله تَعَالَى من مَنَاسِك الْحَج (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوِ اعْتَمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ) لَا مأثم عَلَيْهِ (أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) بَينهمَا (وَمَن تَطَوَّعَ خيرًا) من زَاد على الطواف الْوَاجِب (فَإِنَّ الله شَاكِرٌ) يقبله (عَلِيمٌ) بنياتكم وَيُقَال فَإِن الله شَاكر يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي ـ له ـ بالجزيل.

المناسبة الموضوعية:

لما نزلت الآية (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) (البقرة ـ 125)، جاء التساؤل: لماذا استحق البيت ذلك؟ أو بم استحق البيت ذلك؟ أو كيف جُعِل له واستحق أن يكون قبلة؟ فجاء الجواب:(إن الصفا والمروة من شعائر الله ..) الآية.

فخصّ الله تعالى الصفا والمروة بالذكر لمقامهما العالي عند الله فقد جعلهما الله سبحانه علامة عظيمة على دين الله المشتمل على الحج، ولفائدتهما لقلوب الساعين بينهما، فوجب تعظيم شعائر الله.

بين (البيت) و(المسجد الحرام):

قال ربنا سبحانه:(فمن حجَّ البيت)، وقال قبل ذلك سبحانه:(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة ـ 150)، فلماذا ناسب الحج (البيت)، وناسبت القبلة (المسجد الحرام)؟، والجواب: إن الحاج و ـ المعتمر ـ يكون داخل المسجد الحرام كان بداخل البيت، أما من بَعُد وتوجّه إليه فهو غير داخل للبيت فناسبه المسجد الحرام.

محل غموض المعنى:

في قوله تعالى:(فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، فاختلفوا في رفع الجناح عن الفعل، هل يصير الفعل بعده: (1) واجبًا أي: وجوب السعي، (2) جائزًا بلا وجوب، وبالتالي ترك السعي لا إثم عليه.

الاستدلالات على الأقوال:

معنى (الجناح) هو الميل عن القصد الجادّ الصحيح، وهو هنا بمعنى (الأثم) لأن الميل يترتب عليه الأثم.

1 ـ على القول الأول:

أ ـ يكفي ما قالته السيدة عائشة لابن اختها عروة بن الزبير حينما سألها واعتقد عدم وجوب السعي، فقالت أمنا عائشة ما معناه: لو كان الأمر كما تظن، لقال الله:(أن لا يطوف بهما)، فنفي الجناح جاء على من سعى لا على من ترك السعي، وبمفهوم المخالفة أن من لم يسعَ يكون عليه جناح، وبالتالي تعيّن وجوب السعي.

ب ـ إن الصحابة إنما تحرّجوا في السعي لأجل طاعة الله، فأخبرهم الله بالطاعة ليس في ترك السعي وإنما في السعي، وعكس الطاعة تكون المعصية.

ج ـ سمّى الله السعي بكونه من (شعائر الله) ويقتضي ذلك وجوبه لا تركه.

د ـ ويتبين أن السعي طاعة من قوله تعالى:(ومن تطوع ..)، فسماه سبحانه طاعة.

هـ ـ أن النبي فعله، والنبي لا يفعل إلا طاعة وعلى المسلمين التأسِّي به في كل شيء يفعله إلا ما شاء الله.

و ـ حديث:(اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ).

ز ـ قراءة:(أن لا يطوف بهما) تُحمَل فيها (لا) على التأكيد لا النفي، كشأن قوله سبحانه:(لا أقسم)، (ولئلا يعلم أهل الكتاب)، (ما منعك ألا تسجد).

ح ـ العمل به عند عامة المسلمين الحجاج والزوار حتى عصرنا هذا.

2 ـ على القول الثاني:

أ ـ قوله سبحانه:(لا جناح عليه أن يطوف بهما) وذلك أن نفي الجناح عن السعي يصيّر حكمه إلى الجواز لا إلى الوجوب.

ب ـ قراءة (لا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وهو ظاهر في نفي الجناح على تارك السعي وهذان الاستدلالان أجابت عنهما السيدة عائشة، فضعُف هذا القول.